أسس المعجم المختص اللسانية
د. إبراهيم بن مراد
المعجمية المختصة مبحث حديث يكوّن والمعجمية العامة علم المعجم،ويتفرع كل من المبحثين إلى مبحثين فرعيين،فإن المعجمية العامة تتفرع إلى معجمية عامة نظرية توافق ما يسمى في اللسانيات الحديثة "Lexicologie" ومعجمية عامة تطبيقية توافق ما يسمى "Lexicographie " وموضوع الأولى البحث في الوحدات المعجمية من حيث مكوناتها- كالانتماء المقولي والتأليف الصوتي والبنية الصرفية- وأصولها واشتقاقها ودلالاتها، وموضوع الثانية البحث في الوحدات المعجمية من حيث هي مداخل معجمية تجمع من مصادر ومستويات لغوية ما، ثم توضع في كتاب – هو المعجم المدون- بحسب منهج معين يتقيد به المؤلف المعجمي في ترتيب المداخل وتعريفها. وتتفرع المعجمية المختصة أيضا إلى معجمية مختصة نظرية توافق ما يسمى في اللسانيات الحديثة "Terminologie " وقد اشتهر هذا المبحث في العربية باسم المصطلحية أو علم المصطلح، ومعجمية مختصة تطبيقية توافق ما يسمى "Terminographie" وموضوع الأولى البحث في المصطلحات – وهي وحدات معجمية متخصصة- من حيث مكوناتها ومفاهيمها ومناهج توليدها، وموضوع الثانية البحث في المصطلحات من حيث مناهج تقييسها ومناهج تكنيزها، أي وضعها في مكانز مصطلحية، سواء بتأليف المعاجم العلمية والفنية المتخصصة أو بالتخزين في الحواسيب. وإذن فإن علم المعجم يقوم على معجمية عامة نظرية وتطبيقية ومعجمية مختصة نظرية وتطبيقية. ونريد في هذه المداخلة أن نبحث في أحد مكونات المعجمية المختصة التطبيقية، وهو المعجم العلمي والفني المختص.
وأهم الأركان التي يقوم عليها التأليف المعجمي عامة - سواء كان المعجم عاما أو كان مختصا – اثنان: الأول نصطلح عليه بالجمع، وهو تكوين المدونة المعجمية، والثاني نصطلح عليه بالوضع، وهو معالجة المداخل التي يشتمل عليها المعجم. وركن الجمع في المعجم يقوم على أسّين: أولهما نصطلح عليه بالمستويات اللغوية، والثاني نصطلح عليه بالمصادر.والمستويات اللغوية في المعجم العربي أربعة : أولها الفصيح، وهو القديم الذي دونته المعاجم اللغوية لانتمائه إلى العرب الفصحاء، وثانيها المولد، وهو العربي الذي وضعه المولدون في مختلف عصور العربية بعد القرن الأول الهجري خاصة؛ وثالث المستويات هو العامي، وهو العربي الذي ولده العامة، سواء بالوضع أو بتحريف الفصيح، ورابع المستويات هو الأعجمي، وهو المقترض من اللغات الأعجمية.
وبين المعجم العام والمعجم المختص في أس المستويات اللغوية بعض الفروق الأساسية في العصر الحديث، فإن المعجم العام يُبْنى على رصيد لغوي مستقر هو الذي دونته المعاجم القديمة في الغالب، فإن العربية الحديثة – بدوالها ومدلولاتها المستحدثة- مازالت ضعيفة المنزلة في معاجمنا اللغوية العامة؛ وأما المعجم المختص فمبني على رصيد مصطلحي متولد باستمرار لأنه يواكب ما يتولد في اللغة من مصطلحات دالة على الجديد من المفاهيم والأشياء. ولذلك كله فإن الغالب من المستويات اللغوية في المعجم العام هو الفصيح، يتلوه الأعجمي – وخاصة ما استعمله الفصحاء في القديم – ثم العامي والمولد؛ والغالب في المعجم المختص هو المولد، يتلوه الأعجمي أيضا، ثم الفصيح والعامي. لكن هذا النسق في منزلة المستويات اللغوية في المعجم المختص قد يتأثر بمواقف المؤلفين من المستويات اللغوية ذاتها، فإن منهم من قد يفضل الفصيح – وإن كان مهجورا غريبا- على الأعجمي، وأهم ممثل لهؤلاء مترجمو "معجم المصطلحات الطبية الكثير اللغات" المنقول عن الفرنسية عن معجم ((Dictionnaire polyglotte des termes médicaux)) للفرنسي ألكس كليرفيل، وقد صدر بدمشق في الجامعة السورية سنة 1956 بترجمة مرشد خاطر وأحمد حمدي الخياط ومحمد صلاح الدين الكواكبي، ومنهم من يفضل الأعجمي – وإن كان شديد الغرابة عن نظام العربية الصرفي – على الفصيح أو المولد القديمين، وأهم ممثل لهؤلاء واضعو المادة المصطلحية لمعاجم مجمع اللغة العربية بالقاهرة الصادرة في السنوات الأخيرة، مثل "معجم المصطلحات الطبية" الصادر سنة 1985م ونادرا ما نجد معجما معتدلا يأخذ من المستويات اللغوية ما تقتضي الضرورة العلمية أخذه وتدوينه من المصطلحات. فلا يفضل – في الغالب – مصطلحا منتميا إلى مستوى لغوي ما على مصطلح منتم إلى مستوى آخر إلا لقدرته على تأدية المفهوم الذي يريد. وأحق هؤلاء المعتدلين بالذكر هو الأمير مصطفى الشهابي رحمة الله، وخاصة في كتابه معجم الألفاظ الزراعية.
ولمظهري الإفراط والاعتدال في معاملة المستويات اللغوية في معاجمنا المختصة صلة بالأس الثاني من أسّيّ الجمع، وهو المصادر. فإن المعجم – مهما يكن صنفه- عاما أو مختصا – لابد أن ينطلق في جمع مادته المعجمية من مصادر، فأمّا معاجمنا اللغوية العامة فإن أمر المصادر فيها هين سهل لأن بعضها ينقل بعضا، والحديثة منها صور مهذبة مشذبة من معاجمنا القديمة، ومعاجمنا المتأخرة صور مهذبة من المعاجم الحديثة المتقدمة عليها. وأما معاجمنا المختصة فإن أمر المصادر فيها عسير، فهي – في معظمها- معاجم ثنائية اللغة أو متعددة اللغات قائمة على ترجمة مصطلحات علمية أو فنية من لغة مرجع، هي إما الإنجليزية وإما الفرنسية وإما اللغتان معا. وجل مترجمي تلك المصطلحات – وهم إذن واضعو المعاجم المشتملة عليها – لا يعرفون من المصادر العربية التي تهم المجال الذي يعنون به، قديما ولا حديثا. وليس غريبا – لذلك – أن تجد مئات من المصطلحات التي سبق وضعها لمقابلة مصطلحات أعجمية يعاد الاجتهاد في نقلها إلى العربية بسبب الجهل بما وضع لها من قبل من مقابلات. ولهذه المسألة صلة بقضية أعم هي القطيعة والتواصل بين القديم والحديث، بين التراث العلمي العربي ونتائج العلم الحديث.وللناس في هذا أهواء مختلفة ومذاهب متنوعة. ونحن إذا نظرنا في أعمال كبار المؤلفين في المعجمية المختصة في النصف الأول من هذا القرن مثل محمد شرف صاحب" معجم العلوم الطبية والطبيعية" (1926)، وأمين المعلوف صاحب "معجم الحيوان"(1932) ومصطفى الشهابي صاحب"معجم الألفاظ الزراعية "(1943 ثم 1956)- وجدنا معرفة معمقة بالتراث المعجمي العام والمعجمي المختص العربي. وقد كان لهؤلاء معرفة بالقديم وبالحديث تمكنهم من التمييز بين القديم الذي يستحق الإحياء ليعتمد والقديم الذي بلى فوجب إهماله.
ولا يمكن لمسألة الجمع في المعجم المختص الحديث أن تمثل – بما يتصل بها من مستويات لغوية ومصادر – إلا إذا وضعت للتراث العلمي العربي مدونته الشاملة التي تجمع شتات المصطلحات العلمية العربية القديمة في مختلف ضروب العلوم والمعارف التي أسهم العرب في التأليف فيها أو في ترجمة المؤلفات المؤلفة فيها. وهذه من المهام التي لابد من إنجازها، وقد أصبح الجرد والتكنيز المصطلحيان هينين بفضل تطور اللسانيات الحوسبية اليوم، وتطور الحواسيب نفسها في قدرتها على معالجة النصوص العربية، قديمها وحديثها.
فإذا انتقلنا بعد هذا إلى الركن الثاني من ركني التأليف المعجمي- وهو الوضع، أي معالجة المداخل المعجمية – وجدناه يقوم هو أيضا على أسّين: أولهما هو الترتيب، وثانيهما هو التعريف. وهذان الأسّان هما اللذان يحددان هوية المعجم الحقيقية.إذ لا يمكن للمعجم أن يشتمل على مداخل غير مرتبة بأي ضرب من الترتيب المنهجي الذي يشاء المؤلف، وغير معرفة بحسب ما تقتضيه الوحدات المعجمية من التعريف.وإذا خلا المعجم من هذين الأسين- وخاصة من التعريف- وجب أن يطلق عليه إسم آخر غير المعجم مثل" قائمة المصطلحات"(Nomenclature) أو "المسرد" (Glossaire) . وإذا طبقنا هذا الشرط وجدنا كل ما نسميه معاجم علمية عربية مختصة – منذ معجم محمد شرف – أي معجم العلوم الطبية والطبيعية، الصادر سنة 1926، إلى اليوم لا تصح تسميتها بالمعاجم ، لأنها – بما في ذلك ما أصدره مكتب تنسيق التعريب وما أصدرته المجامع اللغوية – خالية من التعريف، ونستثني منها معجما واحدا هو الموسوعة في علوم الطبيعة لإدوار غالب(1965). وليس الترتيب في هذه المعاجم في الحقيقة بأحسن حالا من التعريف.فإننا إذا استثنينا موسوعة ادوار غالب أيضا وجدنا معاجمنا المختصة معاجم ثنائية اللغة أو متعددة اللغات قد رتبت مداخلها بحسب تتابع المصطلحات الأعجمية التي أخذت أصولا في الترتيب وروعيت بذلك في تدوين مداخل المعجم الواحد حروف الألفباء الإنجليزية أو الألفباء الفرنسية. فقد عُدَّتْ اللغة الأعجمية فيها لغة مصدرا ذات قيمة مرجعية، ونزلت العربية فيها منزلة دنيا لأنها قد عدت قاصرة عن الاعتماد على نفسها والتعبير عن المستحدث من المفاهيم والأشياء.
وما ينقص المعجم العربي المختص الحديث إذن في ترتيب المداخل هو اعتماد حروف الهجاء العربية ليكون المعجم عربيا عربيا أو عربيا أعجميا، لكن الترتيب وحده غير كاف ليجعل منه معجما عربيا، لأن التعريف أهم خصيصة تمييزية بين معجم وآخر ، ولا يكون المعجم معجما كما ذكرنا إلا به.
والتعريف في المعجم عامة صنفان: الأول يسمى "التعريف اللغوي" وهو يستعمل في تعريف ألفاظ اللغة العامة أو في تعريف المفاهيم بألفاظ لغوية عامة. يقوم على تبيان خصوصية المدخل اللغوي من حيث بنيته – أو شكله – ودلالته، وهذا الصنف هو المعتمد في المعجم اللغوي العام. والصنف الثاني هو "التعريف الموسوعي"، وهو يستعمل في تعريف الأشياء والمفاهيم، أي في تعريف المصطلحات من حيث هي مرجعة إلى أشياء ومفاهيم تسمى مراجع (Référents)،وهذا الصنف يقوم على الإخبار عن خصائص المرجع المعرف من نواح عدة كالشكل والأبعاد والحجم والمقدار والوظيفة…إلخ.وهذا الصنف هو الأوفق للمعاجم المختصة. والحق أن معاجمنا العربية ذات اهتمام متفاوت بالتعريف فإن جلها قد اتخذ فيها التعريف بالمقابلة (Equivalence) منهجا عاما، أي بذكر المقابل العربي ومقابل آخر من لغة ثانية، مثل الفرنسية إذا كان المعجم مرتبا بحسب المداخل الإنجليزية – معرفا وحيدا للمدخل، وهذا هو الغالب في المعاجم الثنائية اللغة والمتعددة اللغات.على أن من هذه المعاجم أيضا ما قد يشتمل – إضافة إلى المقابل- على ملاحظة أو أكثر قليلا- تكون شديدة الاختصار والإيجاز يقصد بها عادة تقريب المفهوم من ذهن المستعمل.وهذه الملاحظات غالبا ما تفيد المترجمين ولا تفيد المتعلمين أو طالبي المعرفة من المستعملين عامة. وهذا النقص يثير تساؤلا مهما لاندري هل يثيره المصطلحيون إذا أرادوا وضع المعاجم المختصة: وهو لمن نؤلف معاجمنا المختصة؟ هل نضعها لمستعملين لهم ملامح وسمات معينة أم نضعها لمستعملين مجهولي الملامح والسمات؟ والمعجم المختص في هذا الباب شبيه بالمعجم العام.فإن أسس المعجم اللسانية في كليهما تتحدد تحديدا منهجيا بداية من مرحلة الجمع، وتلك الأسس كثيرا ما تتكيف بحسب وظيفة المعجم، وهي متأثرة بالجمهور الذي يوجه إليه من المستعملين.
والخلاصة أن المعجم المختص يخضع لما يخضع له المعجم العام من أركان التأليف، وينبغي أن ينطلق في تأليفه من تحديد المقتضيات العلمية والمنهجية الخاصة بثلاث مسائل: الأولى هي الوظيفة، فلا بد من تحديد ملامح المستعمل الذي نؤلف له المعجم، والثانية هي المادة التي نجمع فيه، ولا بد من أن يراعى فيها التوفيق بين القديم والحديث في الأخذ بالمستويات اللغوية وبالمصادر؛ والثالثة هي منهج الوضع، فيكون الترتيب بحسب تبويب المصطلحات العربية التي تجعل مداخل رئيسية؛ ويكون التعريف تعريفا تاما، منطقيا أو موسوعيا يقدم للمستعمل المعلومات الأساسية التي يحتاج إليها لمعرفة المفهوم أو الشيء المرجع الذي يرتبط بالمصطلح المعرف.
تسهيل الهمزة أو حذفها :
لعل ظاهرة تسهيل الهمزة أو حذفها من أكثر الظواهر الصوتية لفتاً لانتباه السامع والباحث في قراءة ورش عن نافع، وهي تخضع لقواعد فونولوجية صارمة ودقيقة حسب موقع الهمزة في الكلمة وما يسبقها وما يتبعها من صوائت. فالهمزة لا تخلو من أن تكون متحركة أو ساكنة، والمتحركة لا تخلو من أن تلاقي همزة أخرى أو لا تلاقيها.
فإن التقت الهمزتان فقد ذكر القراء أنهما تجيئان في كلمة وفي كلمتين، وتحقيقه أن ذلك كله من كلمتين إلا (أئمة) فكل ما كان من كلمة فإنه ينقسم قسمين: أن تكون الهمزة الأولى داخلة على ألف اللام، أو تكون داخلةً على غيرها. فأما الداخلة على ألف اللام فجملة ما في القرآن من ذلك ستة مواضع وهي: (قل آلذَكَرَيْنِ) في الموضعين في الأنعام(143،144) و(آلآن) في الموضعين في يونس(51،91) و(قل اَلله أذن لكم ) في يونس (59) و(اَلله خير) في النمل (37) فأجمع القراء على تحقيق همزة الاستفهام وتخفيف الثانية وصورة التخفيف فقد ذكر أصحاب سيبويه أنه بالبدل ألفا،(1) وحيث إن هذه الظاهرة يجمع عليها جمهور القراء فليس هذا موطن تحليل لها ولا تفسير.
التقاء الهمزتين المفتوحتين:
1- أولاهما للاستفهام
الهمزتان المفتوحتان في جميع القرآن ثمانية وعشرون موضعا، تسعة منها لم يمض القراء فيها على أصولهم، وباقيها مضوا فيها على أصولهم، وهي تسعة عشر موضعا، أولها في البقرة(6،140) (ءآنذرتهم) (ءآنتم أعلم) وفي آل عمران(20،81) (ءآسلمتم) (ءآقررتم) ( وفي المائدة (116) (ءآنت قلت) وفي هود(72) (ءآلد وأنا عجوز).
… فورش يبدلها ألفا، هكذا رواية المصريين عنه، والقياس بين بين… وابن كثير يجعلها بين بين، ولا يدخل بينهما ألفا.وقالون وهشام وأبو عمرو كذلك، إلا أنهم يدخلون بينهما ألفا. وقد حكى أبو الطيب عن ورش مثل ذلك، وليس بمعروف.(2)
وهذه منطقة اختلاف وهي كما قال صاحب الإقناع" وليس بمعروف" أصلها، فقد اختلف القراء فيما إذا كان يبدل من الهمزة ألفا أو يميل بين بين.(3)
"وقال خلف عن سعدان عن إسحاق، عن نافع: إن استفهامه كان كلمة بالمد. وروى ورش عن نافع أنه كان لا يدخل بين الهمزتين ألفا في الاستفهام".(4)
وعلى أية حال سواء قرأ ورش بين بين، أو أدخل ألفا بين الهمزتين فالأصل واحد وهو تحول الهمزة إلى فتحة، ومن ثم جاء التطور في مرحلة لاحقة فمدت عند بعض من أخذ عن ورش بين بين عند آخرين، ومن هنا ظهرت هذه الاختلافات فيمن أخذ عن ورش، والرأي أن الأصل واحد، فالمصريون يبدلونها ألفا، وهذه مستويات صوتية مرحلية تسلم إحداهن إلى أختها. ويستشف هذا من قول صاحب الإقناع، (ءآلهتنا) في الزخرف(58).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق