آخر المنشورات

إعلان الرئيسية العرض كامل

إعلان أعلي المقال

النّظريّة الخليليّة الحديثة، أسسها وحدودها المائزة
                                                                                        إعداد الأستاذ: الزايدي بودرامة
جامعة محمد لمين دباغين، سطيف2
ملخّص:
   يسعى هذا المقال إلى التّعريف بالنّظرية الخليليّة الحديثة التي تعدّ امتدادا وتطويرا للنّظريّة النّحوية العربيّة القديمة؛ فقد انبنت أساسا على إعادة إحياء الفكر اللّغويّ التّراثي وإخضاعه أو تطويره حتّى يتوافق ومتطلّبات الرّؤية الحديثة (متطلّبات الحوسبة اللّغوية، متطلّبات تعليم اللّغة العربيّة بمراعاة التّقنيّات الحديثة، متطلّبات معالجة بعض الأمراض...)، هذا التّعريف مرهون بتحديد ما يميّزها عن مختلف النّظريّات المعروفة (العربيّة والغربيّة) في السّاحة اللّسانيّة (القديمة والحديثة)، والاطّلاع على أسسها التي ترتكز عليها.
مقدّمة:
    إنّ النّاظر في تاريخ اللّغة العربيّة يجد أنّها قد ارتبطت بنصّ مقدّس، وتراث واسع اكتسب وجوده وقيمته من إدمان النّظر في هذا النّص، والذي لولاه ما كان ليكون. وليس معنى هذا أنّه لا زيادة لمستزيد، وأنّه ما ترك الأوّل للآخر شيئا، وأنّ العلوم قد نضجت واحترقت؛ فالتّطوير والتجديد أمران لابدّ منهما في كلّ عصر؛ ذلك أنّ العقول تتطوّر، ولاشكّ أنّ ما توفّر في عصر مضى يخالف في أشياء كثيرة ما هو عليه الآن، وخصوصا مع تطوّر التّقانة التي جعلت من العالم قرية صغيرة، ولكن ليس معنى هذا أيضا مسخ القديم أو تركه لأنّه قديم (وخصوصا إذا كان من الثّوابت)؛ إنّ القديم هو مرجعيّتنا وعنوان هويّتنا، وفيه جذورنا وأصولنا التي لا يمكن بحال من الأحوال التّفريط فيها أو التّخلي عنها.
     ومعلوم أنّ اللّغة العربيّة ثابت من الثّوابت التي لا تقبل مساومة مع التّغيير أو التّبديل، وقد بذل السّلف في سبيل الحفاظ عليها قصارى جهدهم، ولم نجد منهم من دعا إلى التّخلّي عنها أو عن علومها أو استبدال حروفها أو...، أمّا في العصر الحديث فقد ثار - عقب ما يعرف بعصر النّهضة - جدال كبير بين أنصار الحداثة وأنصار التّراث، فاتّسمت الرؤية عند كثير منهم بالشّطط والغلوّ؛ فمن متقوقع على المنجز التّراثيّ لا يرضى به بدلا، رافض كلّ جديد أو تجديد، ومن مفرط في هذا المنجز محتقر له لأنّه ليس منجزا عصريّا، بل سمع من بعضهم أنّ سبب تخلّف العرب هو هذه اللغة التي كبلت أفكارهم وحرياتهم ...، لكنّ بعض الباحثين - وهم قلّة - تمكّنوا بفضل رسوخهم في التّراث وتشبّعهم بهذا الحديث أن تكون لهم أنظار صائبة تتّسم بالموضوعيّة والدّقة في الطرح، مع مراعاة الخصوصيّة التي امتازت بها اللّغة العربيّة، فكانت جهودهم بهذا تسعى إلى الحفاظ على المقبول من التّراث مع محاولة مواكبة الجديد فيما يتعلّق بدراسة العربيّة وسبل تعليمها ونشرها ووضع المعاجم لموادها ...، من أبرز هؤلاء الأعلام اللّساني الجزائريّ عبد الرحمن الحاج صالح، حيث قدم دراسات تتعلق باللغة العربية وبتراثها اتّسمت بالدّقة والموضوعيّة، حاول فيها الكشف عن الأصيل، ومجاوزته إلى الاطلاع على احتياجات متكلّم العربيّة في العصر الحديث، وناقش سبل تيسيرها وتعليمها ... ولم يكن همّه مقصورا على دولته الجزائر بل كان يسعى إلى أن يشمل جميع الأقطار العربية.
     ولعلّ أبرز ما قدّمه الحاج صالح مشروعان ضخمان كبيران؛ الأوّل منهما ما زال في طور البحث ومحاولة التّفعيل، وهو مشروع قوميّ يمثّل تحدّيا كبيرا، هذا المشروع هو مشروع الذّخيرة اللّغوية. أمّا المشروع الآخر فهو نظريّة بناها على أصول ومبادئ النّظريّة النّحويّة العربيّة القديمة وسمّاها النّظريّة الخليليّة الحديثة.
    هذه النّظرية اللّسانيّة تعدّ استمرارا للجهود الأصيلة[1] التي قدّمها علماء العربيّة المتقدّمون مراعين فيها خصوصيّة هذه اللّغة وتميّزها وقداستها، أمثال: الخليل، وسيبويه، وأبي علي الفارسي، والسّهيلي، والرّضي الأسترباذي ...
    فما هي معالم هذه النّظرية؟ وما هي النّقاط التي تميّزها عن مختلف النّظريّات الغربيّة؟ وما هي الأسس التي تقوم عليها؟ للإجابة عن هذه الأسئلة سنحاول التّطرّق، في هذه المقالة، إلى النّقاط الآتية:
  أ- التّعريف بالنّظريّة الخليليّة (المنطلقات، والمحفّزات، والغايات)
ب- تأصيل النّظريّة الخليليّة
              ب1- التّأصيل من الدّاخل
             ب2- التّأصيل من الخارج
ج- مفاهيمها الأساس
د- خاتمة

أ- التّعريف بالنّظريّة الخليليّة (المنطلقات، والمحفّزات، والغايات):
      إنّ النّاظر في تاريخ اللّسانيات العربيّة الحديثة يجد أن جلّ اللّسانيّين العرب المحدثين قد تماهوا تماهيا يكاد يكون كليّا في المنجز اللّساني الغربيّ بمختلف مدارسه وتوجّهاته، وكما كان لهذا التّماهي آثاره الإيجابيّة (معرفة أوجه نظر جديدة إلى اللّغة لا توجد في التّراث) فقد كان له آثاره السّلبيّة التي من أبرزها الانبهار بهذا المنجز، ومن ثمّة التّقليل من قيمة المنجز اللّغويّ العربيّ التّراثيّ، على الرّغم من الاطلاع المحدود عليه، حيث صار يقيّم هذا المنجز بما توصّل إليه الدّرس الغربيّ؛ فما وافقه فهو العلميّ الذي ينبغي الأخذ به والتّنويه بقيمته، وما لم يوافقه حُكِم عليه بعدم العلميّة، ومن ثمّة يجب رفضه وردّه، وكأنّ العلميّة حكر على هذا الوافد ...
   هذا الواقع جعل اللّسانيّ العربيّ يتقمّص ذاتا غير ذاته، ويتبنّى كلّ ما يأتيه من هذا الآخر دون تمحيص أو غربلة (لأنّه يعتقد فيه الصّحّة المطلقة)، فترى المتبنّي لإحدى هذه النّظريّات يحاول إعلاء قيمتها وتفوّقها لا لشيء إلّا لأنّه تبنّاها واتّخذها منطلقا للنّظر إلى اللّغة ودراستها ...
   هذا هو حال أو واقع المادّة اللّسانية النّظرية التي كثيرا ما دُرّست وكُرّست بهذا العيب في الجامعات العربيّة، أمّا على المستوى التّطبيقي؛ أعني تطبيق نتائج هذه النّظريّات الغربيّة الحديثة في دراسة اللّغة العربيّة، فكثيرا ما كانت تلك التّطبيقات مشوّهة، تعوزها الدّقة ومراعاة خصوصيّة هذه اللّغة، لأنّ النّظريّات الوافدة قد روعي في بناء معالمها وأصولها لغات تختلف أشدّ الاختلاف عن اللّغة العربيّة (التّوليديّة التّحويليّة مثلا روعي فيها خصائص اللّغة الإنجليزيّة) ومن ثمّة فتطبيقها على لغة أخرى مختلفة عنها تمام الاختلاف (كاللّغة العربيّة) سيكون فيه تعسّف كبير.
   ولكن لا يمكن تعميم هذا الواقع على كلّ المنجزات اللّسانيّة العربيّة، فقد ظهرت بعض التّوجّهات جعلت العلم الأصيل المؤيّد بالدّليل (قديما كان أم حديثا) منطلقا لها، فلم تقزّم القديم ولم تعظّم الحديث، بل حاولت فتح باب الاستفادة من كليهما، جاعلة منطلقها المنجز التّراثي لعلميّته، وخصوصيّة النّظر فيه، وارتباطه باللّغة العربيّة.
   من هذه التّوجّهات ما يعرف بالنّظريّة الخليليّة الحديثة التي أرسى دعائمها عبد الرّحمن الحاج صالح ومن نهج نهجه، هذه النّظرية تنبني أساسا على إعادة إحياء الفكر اللّغويّ التّراثي وإخضاعه أو تطويره حتّى يتوافق ومتطلّبات الرّؤية الحديثة (متطلّبات الحوسبة اللّغوية، متطلّبات تعليم اللّغة العربيّة بمراعاة التّقنيّات الحديثة، متطلّبات معالجة بعض الأمراض...).
    ومن أجل معرفة قيمتها وتميّزها حاول متبنّوها مقارنتها بأحدث النّظريّات اللّسانيّة الحديثة؛ كالنّظريّة البنيويّة والنّظريّة التّوليديّة التّحويليّة. والمطّلع على هذه النّظريّة تأخذه الحيرة والعجب، حيث يجد نفسه يطرح السّؤال الآتي: لماذا يقبل اللّسانيّون العرب على هذه النّظريّات الغربيّة وفي أيديهم نظريّة لا تقلّ علميّة (وربما هي أدقّ) مما قُدّم عند الغربيّين؟ ولماذا هذا التّغييب الكلّيّ لكلّ ما له تعلّق بالتّراث اللّغويّ العربيّ؟، يقول الحاج صالح: "ومن الغريب جدّا أن تكون هذه الأعمال التي لا تقلّ أهميّة عن أعمال أكبر العلماء المحدثين في العلوم الأخرى مجهولة تماما عند أكثر النّاس، بل ومجهولة في كنهها وجوهرها عند كثير من الاختصاصيّين المعاصرين"[2]، ومن بين الأسباب التي يوردها لتفسير هذه الغربة المسلّطة على هذا التّراث العربيّ العلميّ "أولا: هذه المعرفة السّطحيّة للتّراث وللمفاهيم العلميّة الحديثة بما فيها العلوم الدّقيقة وعلم المعرفة العلميّة (الابستمولوجيّة)، وثانيا: استغلاق ما تركه الفطاحل من علماء الصّدر الأوّل على أفهام الكثير من المتأخّرين والمحدثين (وقد يكون ذلك مسبّبا بالسّبب السّابق)، ثالثا: الخضوع المطلق لما قاله الغربيّون في القرن الماضي (حتى نهاية النّصف الأوّل من القرن العشرين) أنّ تطوّر المعرفة هو خطّيّ تسلسليّ: من البدائي إلى ما هو أرقى منه (أوغست كونت الفرنسي) وهذا غير صحيح بالنّسبة إلى الفكرة العلميّة الواحدة؛ لأنّ الرّقيّ العلميّ قد يتحقّق عند قوم فجأة في وقت ما لبعض الأسباب، ثمّ يتوقّف عندهم الإبداع وتختفي بعض الأفكار، ثمّ يكتشفها غيرهم من جديد ربما في إطار تاريخي آخر وتصوّر آخر عند غيرهم بعد زمان، وقد يكون طويلا"[3]، ويذكر في مقال آخر مختلف الهنات التي يتّصف بها البحث اللّساني العربيّ الحديث، والتي جعلته لا يُقدِم على هذا المنجز، منها:
أ- التّبنّي دون نظر سابق لما جاءنا من الغرب (التّسليم المطلق) من الأقوال والمذاهب اللّغويّة بدعوى أنّ هذه الأقوال هي آخر ما توصّل إليه العلم الحديث، وأنّ الباحثين العرب لم يبلغوا بعد مستوى الاجتهاد.
ب- التّعصّب، النّاتج عن القصور وقلّة الإلمام، لمذهب غربيّ واحد لكون هذا الباحث قد تخرجّ على يد ذاك العالم الغربيّ صاحب المذهب المعنيّ به، فلا يريد به بديلا، ويعتقد أنّ كلّ ما يقوله غيره فهو من سفاسف الكلام وأباطيله.
ج- تجاهل بعض الباحثين للتّراث العلميّ العربيّ في ميدان اللّغة وخصوصا ما اختصّ به العرب دون غيرهم وما أبدعوه من المفاهيم ولم يوجد ما يقابله في التّراث الفكريّ اليونانيّ اللّاتينيّ ولا في المذاهب اللّغويّة الغربيّة الحديثة، وهذا التّجاهل ناتج عن جهل أوّلا بجوهر المفاهيم والتّصوّرات العربيّة، وثانيا للاعتقاد الرّاسخ عند أكثر المحدثين أنّ ما ظهر عند العرب من الأفكار ولم يثبته اللّغويّون الغربيّون لا قيمة علميّة له[4].
 أمّا عن فكرة التّأسيس لهذه النّظرية والمبادئ المعتمدة فيه فيقول عنها: "وقد حاولنا منذ ما يقرب من ثلاثين سنة أن نحلّل ما وصل إلينا من تراث فيما يخصّ ميدان اللّغة، وبخاصّة ما تركه لنا سيبويه وأتباعه ممن ينتمي إلى المدرسة الخليليّة. وكلّ ذلك بالنّظر في الوقت نفسه فيما توصّلت إليه اللّسانيات الغربيّة. وكانت النّتيجة أن تكوّن مع مرور الزّمان فريق من الباحثين المختصّين في علوم اللّسان بمعناه الحديث يريد أن يواصل ما ابتدأه الخليل وسيبويه ومن تابعها، لكن بعد التّمحيص لما تركوه من الأقوال والتّحليلات؛ أي بعد التّحليل النّقدي الموضوعي لها"[5]، والذي حفّزهم (المشتغلين على هذه النّظريّة) أكثر هو صحّة الأوصاف وصحّة التّحليلات التي قدّمها هؤلاء العلماء، والتي قد تفوق في أحايين كثيرة ما توصلت إليه اللّسانيات الغربيّة؛ يقول الحاج صالح: "ازدهرت البحوث اللّغويّة الحديثة بفضل ما وضعه العلماء من نظريّات عميقة حول اللّغة، وبفضل ما تحاوله هذه البحوث من استثمار واسع لهذه النّظريات. ومستقبل كلّ البحوث اللّغويّة مرهون، في اعتقادنا، بمدى نجاح هذا الاستثمار بالنّسبة لكلّ لغة. والذي نريد أن ينتبه إليه إخواننا الباحثون هو وجود نظريّة استخرجها بعض الباحثين الجزائريّين ممّا أخرجه علماء النحو الأوّلون، وبنيت هذه النّظريّة على عدد من المفاهيم والتّصوّرات قد لا يوجد في اللّسانيات الحديثة ما يماثلها بل قد تفوقها إلى حدّ بعيد، وهذا ما حاولنا أن نبرهن على صحّته بتحرير هذه النّظريّة وصياغتها صياغة منطقيّة حتى يمكن أن نقارن بينها وبين النّظريّات الحديثة"[6]. ومن ثمّة فتراث بمثل هذه القيمة العلميّة يفرض على كلّ من رام الموضوعيّة إعادة اعتماده أساسا ومنطلقا لا تهميشه وتقزيمه فما صحّ منه قُبل، وما بَطَل، بالحجّة والدّليل، فهو باطل، ويكاد "يجمع العرب في وقتنا الحاضر على أنّ المحافظة على التّراث العلميّ العربيّ والرجوع إليه أمر ضروريّ لا حبّا في القديم في ذاته، ولا للمحافظة من أجل المحافظة، فهذا وإن كان كثيرا في أيّامنا إلّا أنّه قد قلّ أنصاره بتعميم التّعليم وانفتاح العقول على العالم. على أنّ أكثر النّاس يجعلون التّراث الفكريّ العربيّ واحدا، فما دام هو تراثا وركنا إذن من أركان هويّتنا فكلّه حسن لا كلام فيه. وهنا يكمن الخطر، إذ التّراث الذي يتّصف بالإبداع وبالتّالي بالأصالة غير التّراث الذي يسوده التّقليد وبالتّالي الجمود الفكري"[7]. فهويتنا مربوطة بالصّحيح لا بالفاسد، مربوطة بالمبدع الأصيل ومن ثمّة فلا مكان للتّقليد، حتى وإن كان هذا المقلَّد تراثا[8].
    ويمكن إضافة محفز آخر وهو أنّ مفاهيم هذه النّظريّة وأسسها مراعى فيها خصوصيّة اللّغة العربيّة، ولذلك فهي تعكس في جزء من وصفها بنية ونظام اللّغة العربيّة، بخلاف النّظريّات الوافدة التي ثَبَتَ نشازها الكبير مع نظام وبنية هذه اللّغة، ولعلّ ما يمكن التّدليل به ههنا هو عدم تحقيق - لحدّ الآن - كفاية وصفيّة وتطبيقيّة كافية لبنية اللّغة العربيّة اعتمادا على تلك النّظريّات، بل جلّ ما نجده هو تعسّف في التّطبيق وتمحّل دون مراعاة للخصوصيّة، يقول الحاج صالح: "والذي زاد الطّين بلّة هو أنّ بعض معاصرينا ممّن حظي بالاطّلاع على ما ظهر في الغرب من آراء أو نظريّات جديدة ... في الظّواهر اللّغويّة وما إليها من الدّراسات الجديدة التي تنتمي إلى ما أسموه بالـ Linguistics أرادوا أن يطبّقوا على العربيّة هذه النّظريات... دون نظر سابق... كأنّها حقائق مسلّمة تنطبق على كلّ لغة، وليتهم فعلوا ذلك للاختبار، وبينوا بعد الاختبار مدى ملاءمتها للعربيّة وبالتّالي قدرتها على استيعاب الظّواهر المختلفة"[9]، وقد كان من نتائج هذا التّعسّف والتّعصّب لهذا الوافد،  كما يقول الحاج صالح، أنّهم "نبذوا في الوقت نفسه النّحو والصّرف بدعوى أنّهما معياريّان أو على أنّهما بعيدان عن التّصور العلميّ للّغة الذي ظهر في زماننا. ويا ليتهم وقفوا عند هذا الحدّ فإنهم لم يكتفوا بذلك بل تهجّموا على النّحويّين المبدعين وتعسّفوا في انتقادهم لهم إذ أسقطوا على أقوالهم النّظريّات الغربيّة، ولم يحاولوا أن يتفهّموها في ذاتها وبدون أن يسلّطوا عليها المفاهيم والتّصورات التي وجدوها في دراساتهم للـ Linguistics فكانت هذه المفاهيم المرجع في تقويم التّصورات العربيّة، وكلّ ما لم يجدوه استصغروه وقلّلوا من قيمته، بل حكموا عليه بالبدائيّة أو التخيّل الخاطئ"[10]، وفي هذا كلّه إلغاء للذّات العربيّة المبدعة، وتهميش لها وتقليل من قيمتها، ولذلك دعا الحاج صالح، في كثير من مقالاته، إلى تجنّب هذا التّعسّف "بالبحث أوّلا عن أصول المفاهيم الغربيّة للتّمييز بين ما هو جديد حقّا، وما هو قديم جدّا لم تأت به العلوم ولا التّقنيّات الحديثة، بل توارثه النّاس جيلا بعد جيل، وقد بيّن العلماء بعد ذلك أنّه تصوّر وليس بحقيقة ملموسة مجمع على صحّتها. ثمّ البحث عمّا كان يقصده العلماء العرب بالفعل في أقوالهم التي تركوها لنا في كتبهم، مثل كتاب سيبويه وشروحه"[11]، بل أكّد أنّ "التّقدّم الذي نريد أن نحقّقه في علوم اللّسان النّظريّة والتّطبيقيّة وفي علم العربية خاصّة لن يتمّ، في نظرنا، إلّا بتحقيق شيئين اثنين: أوّلا الاختبار المتواصل لجميع النّظريّات بالتّكنولوجيا الحديثة، وثانيا الرّجوع إلى التّراث الأصيل (وترك غير الأصيل) مع مواصلة البحث انطلاقا مما تركه لنا علماؤنا القدامى المبدعون"[12].
    ويتحدّث عن المحفّزات الأولى التي حرّكت أصحاب النّظريّة الخليليّة الحديثة إلى إعادة الاعتبار (إعادة التّحديث) لهذا المنجز التّراثي الخليلي قائلا: "والذي جعلنا نفكر في حداثة أفكار النّحاة الأوّلين ممن عاصر الخليل وأتباعه وأصالتها خاصّة... هما شيئان اثنان: أوّلا: الفوارق الكبيرة جدّا التي تفترق بها أفكار أولئك النّحاة عن الأفكار النّحويّة العربيّة التّقليديّة (مثل ما نجده عند ابن مالك مثلا وشروح مؤلّفاته)، فالتّصوّر العلميّ يختلف فيهما تماما. وأمّا الثّاني فهو ما أجمع عليه النّاس في وقتنا؛ فقد لاحظ كلّ معاصرينا أنّ الأفكار الأساسيّة التي بني عليها التّحليل عند الخليل هي رياضيّة محضة، فهذا شيء لا يتّفق مع ما يتصوّره اللّسانيّون في الوقت الحاضر؛ فإن كان النّحو العربيّ في زمان الخليل وسيبويه بدائيّا بالنّسبة للسانيّات الحديثة فما هذا الاتجاه الرّياضيّ الذي أجمع معاصرونا على الاعتراف بوجوده عند الخليل؟ ثمّ لننظر إلى هذا الذي يقال إنّه نزعة رياضيّة ما هو"[13].
ب- أصالة النّظريّة الخليليّة: تناول أصالة نظريّة ما هو تناول لما يميّزها عن غيرها من النّظريّات الأخرى، أو هو رسم للحدود التي تميّز ما قدّمه فكر ما من حيث المنطلقات وزوايا النّظر المتّخذة في معالجة ظاهرة ما، ولا يعني بحال من الأحوال القديم، فالأصيل لا يساوي أو يعني القديم، إنّها، كما يقول الحاج صالح، الشّيء الذي لا يكون نسخة لغيره، ولاشكّ أنّ في هذا دعوة صريحة إلى نبذ التّقليد الأعمى؛ التّقليد الذي يفتقر إلى الدّليل الصّحيح؛ وقد ردّ على من زعم أنّ الأصالة تقابل الحداثة أو المعاصرة فقال: "فأمّا الأصالة فإنّنا لا نشاطر نظرة الكثير من المثقّفين عندما يقابلون هذا المفهوم بالحداثة أو المعاصرة، فإنّ الأصالة تقابل في الحقيقة التّقليد أيّا كان المقلَّد المحتذَى به سواء كان العلماء العرب القدامى أو العلماء الغربيّون؛ إذ الأصيل هو الذي لا يكون نسخة لغيره. فكأنّ هؤلاء المثقّفين بجعلهم الأصالة في مقابل المعاصرة لا يتصوّرون هذه الأصالة إلّا بالرّجوع إلى القديم، فالأصيل في الواقع هو المبدع الذي يأتي بشيء جديد لم يسبق إليه مهما كان الزّمان الذي يعيش فيه"[14]، ومن ثمّة فالأصالة في زماننا هذا (زمان طغيان النّظرة الغربيّة في مختلف الميادين) "هي الامتناع من تقليد الغربيّين خاصّة، هذا ولا أقصد من لفظ التّقليد أكثر مما قصده علماؤنا قديما فهو اتّباع الإنسان لغيره فيما يقول أو يفعل معتقدا الحقّيّة فيه من غير نظر وتأمّل في الدّليل... إنّ الأصالة... تكمن في عدم الاطمئنان مقدّما وقبل النّظر إلى كلّ ما يصدر من الغير حتى يقوم الدّليل الذي يحمل الإنسان بل يجبره على تقبّل أقوال غيره"[15]. وأصالة النّظريّة الخليليّة تكمن في تميّزها عن نحو المتأخّرين من النّحاة الذين تأثّروا بالمنطق الأرسطي في بناء المفاهيم (أمثال ابن مالك...)، كما يكمن في تميّزها عن المنطق الأرسطي، وعن مختلف النّظريّات الغربيّة الحديثة (البنيويّة والتّوليديّة التّحويليّة...).
   وستحاول هذه الورقة بسط القول في هذه الأصالة، مركّزة على نوعين من التّأصيل لبيان هذه الأصالة (اعتمدهما الحاج صالح في جلّ مقالاته) هما التّأصيل من الدّاخل، وذلك حين يتعلّق الأمر ببيان تميّز النّظريّة الخليليّة الأصيلة عن النّظريّة النّحويّة عند المحدثين من النّحاة، والتّأصيل من الخارج حين يتعلّق الأمر ببيان تميّزها عن كلّ الأفكار والنّظريّات الغربيّة القديمة أو الحديثة.
   ب- 1- التّأصيل من الدّاخل:  يرى الحاج صالح أنّ النّحو العربيّ الأصيل هو "النّحو الذي طوّره وأنضجه الخليل بن أحمد مع بعض زملائه وأتباعه وخاصّة سيبويه، وأكثره مبني على مفاهيم منطقيّة رياضيّة"[16]، ذلك أنّه نحو متميّز وليس نسخة لغيره، فهو نسخة عربيّة متميّزة بمنطلقاتها وتصوّراتها وأسئلتها التي كانت تطرحها، وإلى جانب كلّ ذلك هي نسخة مستقاة من إدمان النّظر في هذه اللّغة، ولم يفرض عليها شيء خارجيّ عنها.
    إذا كانت هذه هي حال النّحو مع النّحاة الأوائل، فإنّ هذا النّحو قد تبدّل وتغيّر بعد القرن الرّابع، حيث لم تعد المنطلقات هي تلك المنطلقات الأصيلة التي كانت عند سابقيهم، فقد اختلطت جلّ مفاهيمهم بالمنطق اليوناني ومن ثمّة اصطبغت بصبغة مخالفة تمام المخالفة لما أورده النّحاة المتقدّمون أمثال الخليل وسيبويه، يقول الحاج صالح: "أمّا ما صار إليه بعد القرن الرّابع فهو أقلّ قيمة بكثير مما كان؛ أوّلا لأنّ المنطق اليوناني، منطق أرسطو، كان قد غزا الفكر العربيّ، وكان ابتداء ذلك بالنّسبة للنّحو في عهد البغداديين (ابن السّراج وابن كيسان وغيرهما ممن تأثّروا بهذا المنطق، وهذا لم يحصل قطّ في زمان الخليل وسيبويه خلافا لما يعتقده البعض) وقد أُولِع العرب بمفاهيم أرسطو المنطقيّة فالتبس على الكثير من النّاس المفهوم العربي الأصيل ... بالتّصور الخاصّ بأرسطو ... وأضف إلى ذلك التّحول الذي أصاب العلوم الإسلاميّة وخاصّة النّحو، فقد صار ابتداء من القرن السّادس عبارة عن سكولاستيك (scholastic) أي دراسات مدرسانيّة الغاية منها التّعليم مع الجدل العقيم. وكلّ ما ظهر بعد ذلك فهو تقليد لا للفترة الأولى الخلاقة بل لمؤسّسي المدرسانيّة النّحوية كابن مالك وشرّاحه"[17]، وليس هذا فقط بل حُمل كلامُ أولئك المبدعين على غير ما يحتمله، حيث صار "يتأوّل الألفاظ التي ترد في نصوصهم كما كان يفهمها ويستعملها النّحاة المتأخّرون، ومعنى ذلك أنّهم يسقطون معاني هؤلاء على نظريّات أولئك النّحاة الفطاحل؛ أي تصوّر ابن مالك ومن جاء بعده على تصوّر الخليل بن أحمد وسيبويه وأبي عليّ الفارسي وابن جني وغيرهم ممّن استغلق كلامه على أكثر النّاس منذ القرن الخامس الهجري، وكان يجب عليهم أن يميّزوا بين ما يقوله الخليل وسيبويه وما يقوله من جاء بعده بأربعة قرون وأكثر، وابتعد كلّ البعد عن الرّوح العلميّة والنّظريّات العميقة التي قد تفوق قيمة النّظريّات الحديثة"[18]، وإذن فقد صار لزاما التّفريق بين ما يقوله الفريقان، وذلك نظرا للفرق "الكبير الذي يميّز المنظور العلميّ الدّقيق لسيبويه وشيوخه وتلاميذه للّغة، وكيفيّة تحليلهم لها بناء على هذا المنظور من النّزعة التّعليميّة للنّحو التي استولت على الممارسين للنّحو بعد القرنين الخامس والسّادس"[19]، ومن أمثلة المصطلحات التي فقدت حمولتها المفاهيميّة الأصيلة:
- الحرف: الحرف عند متأخّري النّحاة قسيم الفعل والاسم، أي أنّه نوع من أنواع الكلم، ولا يتعدّى مفهومه، عندهم، هذا المدلول، قال ابن مالك: (كلامنا لفظ مفيد كاستقم *** واسم وفعل ثمّ حرف الكلم)، وقال شارحه ابن عقيل موضّحا: "الكلم اسم جنس واحده كلمة، وهي: إمّا اسم وإمّا فعل وإمّا حرف، لأنّها إن دلّت على معنى في نفسها غير مقترنة بزمان فهي الاسم، وإن اقترنت بزمان فهي الفعل، وإن لم تدل على معنى في نفسها، بل في غيرها، فهي الحرف"[20]، فمفهوم الحرف عند المتأخّرين موضوع لبيان نوع من أنواع الكلم لا يتعدّاه، وقد استعمل هؤلاء النّحاة في ضبطه وتمييزه الحدّ الأرسطي (الجنس والفصل)، أمّا عند متقدّمي النّحاة فإنّه يأخذ مفهوما أوسع، وضبطه عندهم يختلف اختلافا كبيرا عن ضبطه بالحدّ الأرسطي، يقول الحاج صالح مبيّنا تصوّر النّحاة المتقدّمين أمثال الخليل وسيبويه: "الحرف عند الأوّلين هو العنصر أي الوحدة المؤلّفة من قطعة صوتيّة، وتنطبق كعنصر على الوحدة الصوتيّة (الفونيم) أو على المفردة أيّا كانت، اسما أو فعلا أو أداة"[21]، ويدلّل على صحّة كلامه بما أورده سيبويه في أوّل كتابه وهو يتحدّث عن باب (ما الكلم من العربيّة)، قال: "وعندما يحدّد سيبويه تقسيم الكلم العربيّة فإنّه يقول: (اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل)، ولم يقف عند كلمة حرف كما يفعله أكثر من جاء بعده؛ ومعناه: الكلم اسم وفعل وعنصر آخر جاء لمعنى، أي لم يأت للدّلالة على ذات (Object) كالاسم أو حدث (process) كالفعل بل على معنى مثل الاستفهام أو النّفي أو غير ذلك مما يضاف إلى الاسم والفعل، وليس ذلك اسما أو فعلا لأنّ بعض الأسماء والأفعال تدلّ على هذه المعاني كالظّروف وأسماء الاستفهام والأفعال النّاسخة وغير ذلك"[22].
- الكلمة: من المصطلحات التي تغيّرت حمولتها المفاهيميّة عمّا كانت عليه عند النّحاة المتقدّمين مصطلح الكلمة، فهي "عند سيبويه غير ما هي عند ابن مالك: فلفظة (كتاب) كلمة، والألف في (الزيدان خرجا) كلمة، ولكن الهمزة في (أكْتَبَ) والتاء في (اكتَتَب)، والميم في (مَكْتَب) ليست كَلِمًا لأنّها حروف بنيت عليها الكلمة ولا تنفصل. فالكلمة هي الحرف (= العنصر) المنفصل: إمّا بالتّمام (تبتدئ ويوقف عليها) أو جزئيّا كالحروف التي تدخل وتخرج إذا اقترنت بكلمة أخرى، ولم تبن عليها هذه الأخيرة، فهذا هو مفهوم الخليل وسيبويه، فالتّنوين على هذا كلمة، وحتّى الحركات الإعرابيّة كما لاحظه الرّضي"[23]، أمّا عند متأخّري النّحاة أمثال ابن مالك وابن هشام ... فنجد مفهومها يحدّد بمراعاة المنطق الأرسطي، ومن ثمّة يُضَيَّق في حدود هذه الرّؤية اعتمادا على الجنس والفصل؛ فقد عرفها ابن في كتابه التّسهيل بأنّها: "لفظ مستقل دالّ بالوضع تحقيقا أو تقديرا، أو منويّ معه كذلك"[24].
- الخبر: يحصر النّحاة المتأخّرون مدلول هذ المصطلح في الجزء الذي تتمّ به فائدة مع المبتدإ، قال ابن مالك: (والخبر الجزء المتمّ الفائدة *** كالله برّ والأيادي شاهدة)، وقال شارحه ابن عقيل: "عرّف المصنّف الخبر بأنّه الجزء المكمّل للفائدة، ويرد عليه الفاعل، نحو: (قام زيد) فإنّه يصدق على (زيد) أنّه الجزء المتمّ الفائدة، وقيل في تعريفه: إنّه الجزء المنتظم منه مع المبتدإ جملة، ولا يرد الفاعل على هذا التّعريف؛ لأنّه لا ينتظم منه مع المبتدإ جملة"[25]، أمّا مدلوله عند المتقدّمين فأوسع دائرة "فإنّ سيبويه لا يسمّيه كذلك دائما بل هو عنده المبنيّ على المبتدإ، أمّا كلمة خبر فقد يطلقها على هذا وعلى الحال أيضا، بل على كل ما هو مفيد (= فيه علم للمخاطب) ولم يأت فقط لتعريف المبتدإ وما أشبهه"[26] .
وعلى كلّ فبيان الاختلافات المفاهيميّة بين نحو المتقدّمين ونحو المتأخّرين ما زال يحتاج إلى استقصاء وتتبّع أكبر، حتّى يمكن الرّجوع إلى المفهوم الأصيل وتبنّيه واعتماده لأنّه المرتكز الحقيقي لهذه النّظرية.
ب-2- التّأصيل من الخارج: تأصيل النّظريّة الخليليّة من منظور خارجيّ معناه إثبات أصالتها بنفي مختلف الرّوافد الخارجيّة (المقصود بالكلام ههنا هو المنطق اليونانّي) التي ظُنّ أنّها النّموذج الذي احتُذي في بنائها ووضع مصطلحاتها وتصوّر مفاهيمها، كما أنّه يندرج ضمن التّأصيل الخارجيّ لها إثبات تميّزها عن مختلف النّظريّات اللّسانيّة الغربيّة الحديثة (البنيويّة، والتّوليديّة التّحويليّة)، أو بعبارة أخرى نفي التّقليد وإثبات التّميّز. وسنبدأ في بيان هذا الأمر بالتّطرق أوّلا إلى مختلف الرّدود النّافية لفكرة التّأثير المنطقيّ الأرسطيّ على النّحو العربيّ، ثمّ نتطرّق إلى ما يميّزها عن مختلف النّظريّات الغربيّة الحديثة.
ب-2-1 مناقشة فكرة التّأثير المنطقيّ الأرسطيّ: ما رُوّج له من فكرة تأثّر النّحو العربي بالمنطق الأرسطي مردّه إلى النّظرة المقلّلة من قيمة الذّات العربيّة وقدرتها على الإبداع والابتكار، حيث طرحت أسئلة عديدة كان أكثرها إلحاحا: كيف استطاعت أمّة أُمّيّة أن تبني نظريّة بهذه الدّقة في وقت وجيز؟ إنّ هذا الأمر في رأي المشكّكين في أصالة هذه النّظرية شيء مستحيل ممتنع إلّا على سبيل الانتحال والاقتباس من الغير، ويقصدون بهذا الغير اليونانيين وتراثهم، ولاشكّ أنّ في هذا الادّعاء من الحيف والافتراء الشّيء الكثير؛ يقول الحاج صالح: "والغريب المقلق أنّ أظهر هذه الآراء التي أُلبست لباس البحث النّزيه هي التي تنفي كلّ طرافة للمناهج العربيّة في النّحو، وتنكر أن يكون النّحاة العرب أخرجوا شيئا جديدا لعجزهم أو عجز البيئة الاجتماعيّة العربيّة على الإتيان بهذا الصّنع المبتدع، وذهبوا يقارنون بين مصطلحاتهم وما تواضع عليه اليونان من قبلهم في علم النّحو، ورأوا في تقسيم العرب للكلام تقسيما أرسطوطاليسيا محضا. ويا ليتهم ما فعلوا فينجوا من زلل لم يصب به أيّ عالم من قبلهم"[27]، ذلك أنّ مجرد التّشابه في بعض المفاهيم لا يعني أنّ أحدهما ناقل عن الآخر مقتبس منه.
وأوّل من أثار فكرة أخذ العرب من اليونانيّين هما المستشرقان[28]: جويدي (Guidi) ومركس (Merx)، وصار كلّ من يأتي بعدهما يرتاح إلى ما قالاه من غير نقد ولا تمحيص ولا مراجعة، حتّى من العرب المعاصرين أنفسهم، ومن أشهر من وافقهما وسار على منهجهما من العرب المعاصرين: أحمد أمين، وإبراهيم مدكور، ومهدي المخزمي... يقول الحاج صالح: "فممّن تصدّروا الخروج عمّا رسمه القدماء في ذلك هو: أحمد أمين... (حيث رأى) أنّ تأثير اليونان والسّريان في العصر الأوّل لوضع النّحو كان ضعيفا، وأنّه ربما كان أكبر الأثر غير مباشر كاستخدام آلة القياس والتّوسّع بواسطتها في وضع القواعد النّحويّة، وجاء بعده إبراهيم مدكور فما زاد في أطروحته... على ما قاله علماء الغرب، بل اكتفى بالإشارة إلى أنّ التّأثير يظنّه وقع في وضع النّحو... وقدّم الأستاذ مهدي المخزومي كتابا عن مدرسة الكوفة سالكا فيه هذه السّبيل، بانيا جميع ما يثبته على القول بتأثير المنطق على النّحو، وبالخصوص على مدرسة البصرة"[29]، والحقّ أنّ هذه الادّعاءات تفتقد الدّليل القاطع الذي يثبتها، فعلى الرغم من اقتناع كثير من الباحثين بوجود هذا التّأثير إلّا أنّ أحدا منهم  "لم يأت... بدليل قاطع"[30]، وقد ناقش الحاج صالح القول بهذا التّأثير، مركّزا على الشّبهات المثارة (أغلب الشّبهات أثارها المسشرق مركس)، ومن بين ما ناقشه:
- (القول بضرورة مرور زمان طويل حتى تتكوّن المقاييس النّحوية)، مستشهدا على صحّة دعواه بالعلوم الإسلاميّة التي "امتازت عن علوم الأوائل في سرعة اكتهالها، وقد أجمع العلماء على حقيقة هذه الظّاهرة. ففي أقلّ من قرن خرج إلى الوجود نحو تامّ التّكوين سويّ الخلق منسجم الأطراف، ونجده في كتاب سيبويه، فهل هذا خرق للعادة المألوفة؟ نجيب بأن هذا ليس خرقا للعادة التي معناها (سنّة الكون) إنما هو خروج عن العادة المألوفة عند بعض النّاس، وأنّه ينبغي أن نحلّ هذه الظّاهرة محلّها من الظّاهرة الكبرى التي قلبت أوضاع العالم القديم"[31]، فتطوّر العلوم لا يسير وفق سنّة كونيّة لا محيد عنها، بل بحسب ظروف معيّنة فقد يتحقّق الرّقيّ العلميّ "عند قوم فجأة في وقت ما لبعض الأسباب"[32]
- (القول بضرورة اعتماد النّحو على المنطق وعلى المفاهيم الفلسفيّة)، ناقش هذا القول مركّزا على الخصوصيّة التي تمتاز بها اللّغة؛ فاللّغة الطبيعيّة في جوهرها ليست منطقا صارما، "فالنّظام المنطقي غير النّظام اللّغوي الذي خلق للإفادة أي لتبليغ أغراض المتكلّم للمستمع Communication فهو آلة للتّبليغ جوهره تابع لما ولى من أمر الإفادة، فهو إلى قوانين فنّ المواصلات أقرب منه إلى قواعد المنطق"[33]، وقد راعى النّحاة العرب الوظيفة التي تؤدّيها اللّغة ألا وهي التّواصل، وما تطلبه من اقتصاد ومحاولة تجنّب للبس، فبنوا قواعدهم على "مبدإ التّخفيف والفرق"[34] ذلك أنّ همّ المتكلّم هو "أن يبلغ أكبر عدد ممكن من الفوائد بأقلّ عدد ممكن من الجهود، وهذا أصل التّعليلات التي يشاهدها المطّلع على كتب النّحاة القدماء"[35]، ومن ثمّة فلا علاقة للتّصوّر النّحويّ العربي بالمنطق ولا بالفلسفة الأرسطيّة، لكن لا يجب أن يفهم من المنطق النّظر العقليّ؛ لأنّ النّظر العقليّ لا يخلو منه منجز بشريّ، بله نظريّة كبيرة كالنّظرية النّحويّة العربيّة، فالنّحو عند العرب هو نتاج النّظر في النّصوص ثمّ تجريدها، وهذا كلّه عمل عقليّ، ومن ثمّة فالمنطق المرفوض هو المنطق الأرسطي بمصطلحاته ومفاهيمه وليس المنطق العقليّ.
- (القول بأنّ العلوم لا تتطوّر دون مقدّمات أو تراكمات سابقة)، ومن ثمّة فلا تفسير لهذا النّضج المبكّر إلّا القول أنّ علماء النّحو العرب قد أخذوا جلّ المفاهيم عن غيرهم (اليونان تخصيصا)، وقد فنّد هذا القول مرتكزا على التّاريخ وعلى بنية النّصوص النّحوية القديمة. أمّا اعتماد التّاريخ كمستند فلا سبيل فيه إلى إثبات هذا؛ "إذ لم يذكر أحد أنّ النّحاة القدماء العرب أخذوا من اليونان ولا من غيرهم معنى واحدا من معاني النّحو أو ما يقاربه، وقد عجب مركس وغيره من هذا الذي يسمّيه (سكوتا)، وحاول أن يعلّله بعدم انتباه المؤرّخين إلى أهميّة العلوم المنطقيّة بالنّسبة للنّحو"[36]. أمّا بنية النّصوص النّحويّة العربيّة القديمة فلا وجود فيها لإشارة "ولو خاطفة إلى المصادر الأجنبيّة في كتب النّحاة الأقدمين، وهذا أيضا لا نعثر عليه بتاتا. فهذا كتاب سيبويه أقدم ما وصل إلينا نقرأ فيه أسماء كلّ شخص أدلى برأي في مفردة أو تركيب أو باب من أبواب النّحو، ولا نعثر على اسم عالم من السّريان أو اليونان القدماء ممن ألّف في نحو لغته أو في المنطق ولو على سبيل الإشارة إلى محلّ الأخذ"[37].
    ولم يكتف الحاج صالح بهذا بل توسّع في المناقشة متناولا أدنى شبهة يمكن أن تُوهم القارئ بفكرة المقاربة بين الأصول النّحويّة العربيّة والأصول الأجنبيّة اليونانيّة، ففنّد المشابهة في تقسيم الكلام إلى ثلاثة أقسام نظرا لاختلاف الغرض، وعدم التّسليم بالتّقسيم الثّلاثي عند أرسطو (حتّى عند علمائهم)، كما فنّد أن يكون هناك توافق في مدلول الحدث في النّحو العربي ومدلول مصطلح Accidents عند أرسطو، ذلك أنّ الحدث عند النّحاة العرب هو "المعنى الذي يدلّ عليه الفعل والمصدر، أي معنى الوقوع وصدور أمر سواء كان ذلك بالتّجدّد (بالحركة كالجلوس والمشي والأكل ...) أو بالثّبوت (بالدّلالة على حالة أو حلية أو غريزة كالنّوم والحمرة والكرم)"[38]، أمّا مدلول مصطلح Accidents عند أرسطو فلا يكاد يتّفق مع مدلول الحدث "إلّا في الوصف المشتقّ منه على صيغة اسم الفاعل (الحادث) الذي يجري استعماله عند فلاسفة العرب وهم أتباع الفلسفة اليونانيّة، غير أنّ مرادهم بالحدوث في هذا الوصف ما يعاقب القدم"[39]. كما فرّق بين مصطلح التّصريف العربي الأصيل، ومصطلحي Déclinaison (التّحول الإعرابي) و Conjugaison(تصريف الأفعال)؛ يقول رادّا على مركس: "يا ليت شعري كيف جوّز لنفسه هذا التّساهل المهول؟ يؤخذ عليه أنّ كلمة صرف عند سيبويه لا تدلّ على تحويل صيغ الأفعال أبدا، إنّما هي صفة للاسم المتمكّن الأمكن ...، ثمّ إنّ علم الصّرف تسمية محدثة قابلوا بها علم النّحو (بمعناه الخاصّ: علم التّراكيب) ولم يكن هذان العلمان منفصلين في أوّل الأمر، ولا يدخل في هذا العلم (الصّرف) إلّا التّحوّل الإفرادي Variation lexicales فلا يحدث أصلا عن أحوال الكلم تركيبا وإعرابا وليس خاصّا بالأفعال"[40].
  وبعد هذه التّفنيدات يقول متعجّبا من هؤلاء الذين يدعون الموضوعيّة والعلميّة: "والغريب أنّ هؤلاء وهم علماء محقّقون يقفون أمام شهادة التّاريخ منذهلين فإن وقع أدنى اشتباه رفضوها"[41]، وعلى كلّ حال "فالمنطق الأرسطوطاليسي لم يجد مرتعا مريئا إلّا بعد نشوء النّحو واكتهاله، أي بعد إغلاق باب الاجتهاد، ولكي نفهم هذه الظّاهرة التّاريخيّة يجب أن ننظر إلى أحداث الزّمان لا كأحداث متفرّقة لا ارتباط بينها كما يفعله بعض المؤرّخين، لا على أنّه مجموعة متلاحمة الأجزاء شديدة الاتّصال، فالتّجزئة والتّفريق بينها والنّظر فيها كلّ على حدة يفسد التّحليل ويؤدّي إلى مشاكل لا حلّ لها بل إلى ورطة وارتباك"[42]، ومن ثمّة فالنّحو العربيّ نحو أصيل، فلا أثر للمنطق الأرسطيّ ولا للفكر اليونانيّ في بلورة معطياته وبناء مفاهيمه ومبادئه.
ب-2-2 تميّز النّظريّة الخليليّة عن النّظريّات اللّسانيّة الغربيّة الحديثة: على عكس كثير من اللّسانيين العرب الذين أَلِفوا النّظرة الإسقاطيّة التّجزيئيّة (ذكر مواطن التّوافق وردّ مواطن الاختلاف ووسمها بعدم العلميّة) لما تُوُصّل إليه في اللّسانيات الغربيّة وما هو موجود في التّراث اللّغويّ العربيّ، حاول الحاج صالح إجراء نظرة إسقاطيّة كلّيّة (معرفة مواطن التّوافق دون إغفال التّطرّق إلى مواطن التّخالف) وذلك بهدف إثبات أصالة هذه النّظريّة وتميّزها عن غيرها من النّظريّات الحديثة من جهة، ومعرفة مدى مقدرة هذه النّظريّة على المنافسة من جهة أخرى، خصوصا إذا علمنا أنّ هذه النّظريّات الحديثة صارت ترتبط قيمتها بمدى إمكانيّة استثمارها الاستثمار المثمر والعلمي في مختلف الميادين (الحوسبة، التّعليم، التّرجمة...).
    وهو إذ يقدم على المقارنة بين النّظريّة اللّغويّة العربيّة وبين ما هو موجود في اللّسانيات الغربيّة ينطلق من قناعة مفادها أنه "لابدّ من أن يراجع العلماء نظريّاتهم ومناهجهم العلميّة كلّما اقتضى الحال ذلك لأنّ سير العلم لا يتوقّف...، إلّا أنّ ذلك يقتضي أيضا أن نمعن النّظر فيما نقول عنه: أنّه قد ثبتت صحّته، ولا نتسرّع في الحكم على ذلك بل نطيل البحث عمّا أدّى غيرنا إلى الحكم بصحّة ما يقوله البنويّون أو أكثره"[43]، إذن فدراسة النّظريّات الغربيّة ليس الغرض منه السّير على الموضة أو مواكبة الجديد لجدّته، بل الغرض منه البحث عن العلم الصّحيح ونبذ غير الصّحيح، قديما كان أم حديثا، غربيّا كان أم عربيّا، وربّما أمكننا أن نقول: إنّه بالمقارنة يمكن معرفة قيمة ما توصّل إليه العلماء في حقل من حقول المعرفة؛ فمثلا هناك العديد من القضايا العلميّة في النّظريّة النّحويّة العربيّة لم تأخذ نصيبها من الاهتمام، ولم تعرف قيمتها الحقيقيّة إلّا بعد أن توصل إليها الدّرس اللّسانيّ الحديث، كما أنّه بالمقارنة يمكن معرفة مواطن التّفاوت بين مختلف النّظريّات.
    والمطّلع على مقالات الحاج صالح يجده يركّز في مقارنته هاته على النّظريّتين الغربيّتين المشهورتين؛ النّظريّة البنيويّة والنّظرية التّوليديّة التّحويليّة، وسنعرض لكلّ مقارنة مركّزين على بيان أوجه الاتّفاق ثمّ على أوجه الاختلاف.
1- بين النّظرية النّحوية العربيّة والنّظريّة البنويّة: البنويّة نسبة إلى البنية، أي جعل البنية (أو نسيج النّص الدّاخلي) هي المنطلق وهي الهدف، ويتحقّق هذا بعزلها ودراستها في ذاتها ومن أجل ذاتها، بهدف فهمها وإدراك مختلف العلاقات التي تحكم نظامها كما يقول زعيم البنويّة فردينان دي سوسير، وتعتمد في هذا الفهم على المنهج الوصفي، وعلى مراعاة التّعاقبات والتّرتيبات التي من خلالها يميّز بين الوحدات المشكلة لذلك النّص، ويجب أن ننبّه إلى أنّ البنويّة الغربيّة بنويّتان؛ بنويّة أوروبيّة تمخّضت عن أفكار دي سوسير، وبنويّة أمريكيّة لم تجعل أفكار دي سوسير منطلقها، لكنّها تتّفق مع البنويّة الأوربيّة في الأهداف الكبرى للتّوجّه البنويّ، لكن الذي يهمّنا في هذا المقام هو بيان أوجه الاتّفاق وأوجه الاختلاف بينها وبين النّظريّة النّحويّة العربيّة؟
1- أ- أوجه الاتّفاق: يرى الحاج صالح أنّهما يتّفقان في موضوع الدّراسة ومنطلقها وفي بعض أوجه النّظر التّفسيريّة (سنأتي على ذكرها)؛ فالموضوع عند كلّ من النّحاة والبنويّين هو "اللّغة في ذاتها ومن حيث هي هي أي من حيث كونها أداة للتّبليغ أو التّعبير عمّا يكنّه الإنسان، ولا تلتفت إلى ما كانت قبل أن تصير إلى ما هي عليه، فهي دراسة آنية لا زمانيّة... فكلاهما يتناول اللّغة بالتّحليل إلى أجزائها الكبرى والصّغرى، وكلاهما يبحث عن كيفيّة تركيبها بعضها في بعض"[44].
 كما أنّهما يتّفقان في المنطلق المنهجيّ لدراسة هذا الموضوع، وهو الاعتماد على المدوّنة[45]، فهي دليل النّظام ولا يمكن القول بوجود عنصر أو غيابه أو وجود علاقة أو غيابها إلّا إذا توفّرت أو وجدت فعلا في المدوّنة المدروسة، ومن ثمّة فإنّه "لا يُجسَر على تغيير شيء منها ولا يلجأ في الاستشهاد بشيء من خطابات الباحث نفسه أو جماعة غير الجماعة المعنيّة بتلك اللّغة، ونجد نفس التّحرّج عند النّحاة العرب، إذ لا يمكن أن يستشهد إلّا بما هو ثابت لا يردّ، وهو موجود في دواوين العرب التي دونها العلماء من الشّعر والكلام المنثور والأمثال ولا يلجأ إلى غير ذلك. فكلّ منهم يراعي الواقع كما هو"[46].
يضاف إلى هذا اتّفاقهما في بعض المبادئ التّفسيريّة التي تراعي الوظيفة الأساس للّغة (التّبليغ)، ومن بين هذه المبادئ ما يعرف بمبدأي الاقتصاد والفرق، وعند النّحاة الاستخفاف وأمن اللبس، "أمّا الاقتصاد فهو ميل المتكلّم إلى التّقليل من الجهود العضليّة والذّاكرية التي يبذلها في عمليّة التّخاطب، وقد لجأ النّحاة أيضا إلى مبدإ الاستخفاف في تفسير ظواهر كثيرة، مثل الحذف والإدغام والاختلاس... أمّا الفرق فهو ضدّ ذلك أي ميل المتكلّم إلى تبيين أغراضه للمخاطب وتخوّفه من أن يلتبس كلامه عليه بكثرة الحذف والاختصار وغير ذلك"[47].
1- ب- أوجه الاختلاف (الفروقات): ركّز الحاج صالح على فروقات جوهريّة، تمثّل في مجملها دفاعا عن النّظريّة النّحويّة العربيّة من حيث بيان صحّة ما تميّزت به، حّتى وإن كان مخالفا لما هو موجود عند الغرب، ذلك أنّ الصّحّة، عنده، ليست محصورة فيما يقوله هذا الغربيّ فقط، إذ قد تكون عند غيره. ومن بين الفروقات التي ركّز عليها:
- عدم إمكانيّة تبنّي التّصوّر الغربيّ البنويّ المتعلّق بمفهوم الوصفيّة والمعياريّة: ذلك أنّ مفهوم الوصفيّة عند البنويّين يعارض "نزعتين في الحقيقة: النّزعة إلى الحكم على العبارات بأنّها صواب أو خطأ لأنّها موافقة أو مخالفة لمعيار اجتماعيّ ما، والنّزعة الثّانية هي محاولة تعليل الظّواهر اللّغويّة"[48]، ومن ثمّة فالحكم على عبارة ما، عند البنويّين، بالخطإ أو الصّواب يعدّ معياريّة وتحكميّة تنافي العلم، وهذا يعني أنّ "النّحويّ، مثل سيبويه، في هذه الأحكام من أبعد النّاس عن العلم الموضوعيّ، إذ يفضّل، حسب أقوالهم، معيارا على آخر"[49]، غير أنّ الأمر ليس كما يقولون، فالمعيار ظاهرة من الظّواهر التي تخصّ سلوك النّاطقين بها، فلا يمكن أن تهدر في البحث بدعوى أنّ الحكم بالصّواب والخطإ تحكّم محض، "إنّ المعيار هو هذا الكلّ المنسجم من الضّوابط التي يخضع لها بالفعل كلّ النّاطقين أو أكثرهم"[50]، ومن ثمّة فلا مسوّغ لرده.
    وقد يقال إنّ النّحاة العرب بسبب معياريّتهم هذه قد حكموا على بعض كلام العرب بالجيّد والمقبول والكثير، وحكموا على بعضه الآخر بالضّعيف والرّديء، وهذا فيه ما فيه من الذّاتية والتّحكم المخالف للعلم، يجيب الحاج صالح على هذا الاعتراض موردا أنّ هذا الحكم الصّادر من النّحاة ليس حكما ذاتيّا، بل هو حكم مرجعه إلى كلام العرب من حيث القلّة والكثرة، ومن حيث الاطّراد والشّذوذ، والدّليل على هذا حفظهم للشّاذّ وتحرّجهم من أن يقولوا على العرب ما لم تقله[51].
- اختلاف النّظر إلى اللّغة وما ينشأ عنه من اختلاف في الآليّات التّفسيريّة: حيث ركّزت البنويّة الوظيفيّة الأوربيّة في تحديد اللغة وأبنيتها على الوظيفة فقط، "وهذه الوظيفة هي عندها التّبليغ والبيان (Communication) فكلّ عنصر أو صفة لعنصر يساهم في تأدية هذه الوظيفة يجب أن يدخل في اعتبار الباحث اللّغوي، وما لا دور له في ذلك فليس من ميدان البحث اللّغوي لأنّه لا دخل له في عمليّة التّبليغ، وإن كان له دور آخر مهمّ"[52]، ومن ثمّة تتباين عناصرها وتختلف لأداء هذه الوظيفة، لكنّ الأمر ليس على إطلاقه فاللّغة لا ينحصر فيها التّباين إلّا بتباين عناصرها في ذاتها، فهناك علامات وأدلّة في اللّغة يمكن أن يرتفع بها اللّبس إذا اتّحدت الألفاظ، وذلك كالسّياق عامّة، وكعلامات الإعراب، وكاختصاص الاسم بدخول حروف الجرّ عليه والوصف والإضافة وغيرها، واختصاص الفعل بدخول بعض الأدوات عليه وغير ذلك، ولذا لا يجد المخاطب صعوبة في فهم الكثير من المشترك والمترادف... فكيف يمكن أن تحصر اللّغة في وظيفتها البيانيّة وأن تحصر هذه الأخيرة في تمييز الوحدات الصّوتيّة وحدها بين المعاني؟، وهو الأمر الذي راعاه النّحاة العرب، فبالإضافة إلى أنّهم لم يغفلوا هذه الوظيفة لم يجعلوها المرجع في كلّ تفسير يقدّمونه؛ فقد اعتمدوها بشكل واسع في علم المعاني وفي تفسير بعض الشواذ، لكنهم لم يعتمدوها مثلا في تفسير آليات تفريع البنى من أصولها، ومن ثمة تفسير كيفية تولدها باللجوء إلى هذه الوظيفة، بل ركّزوا على العلاقات القائمة بين مختلف الكلمات.
- تحديد مستويات اللّغة: يجب أن ننبّه في البداية إلى الغاية التي يرومها البنويّون، وهي "اكتشاف الوحدات التي تتكوّن منها اللّغة، وذلك بتحديد هويّتها التي ليست عندهم إلّا صفاتها الذّاتية ثمّ تصنيفها. وهذا التّصنيف بني على التّمايز المتدرّج من الجنس الأعلى إلى ما تحته وهو عندهم بنية، ويحصل هذا خاصّة في مستوى الوحدات الصّوتيّة، أمّا ما فوقه فيحاولون اكتشاف الوحدات الدّالة بتحليل الكلام التّحليل التّقطيعيّ الاستبداليّ إمّا بحسب تسلسل الكلام كما هو عند الوظيفيّين وإمّا بكيفيّة سلّميّة كما هو عند الأمريكيّين"[53]، كما أنّهم يعتمدون نظام التّقابل المحض من أجل التّمييز بين عناصر المستوى الواحد، ويرون أنّ "النّظام كلّه وليد الوظيفة التّمييزيّة"[54]، فالتّقطيع والتّقابل والاستبدال هي المبادئ الإجرائيّة التي يعتمدها البنويّون في التّمييز بين مستويات اللّغة، بل وفي التّمييز بين مختلف وحدات المستوى الواحد.
   أمّا نظرة النّحاة العرب المؤصّلين فقد اختلفت اختلافا كبيرا عن نظرة البنويّين، فهم لا يريدون "أن يكشفوا لا عن هوية الجزء وجنسه فقط بل عن مكانته ودوره من المجموعة من أجزاء العبارة التي ينحصر فيها"[55]، ثمّ يتجاوزون هذا بالبحث عن دور اللّفظ في الاستعمال (تأدية مختلف الأغراض)، ولذلك فقد "ميّزوا جيّدا بين ما هو راجع إلى الوضع من جهة؛ أي ما يخصّ اللّفظ الموضوع للدّلالة على معنى، وهذا المعنى المدلول عليه باللّفظ وحده، ومن ثمّ ما يخصّ بنية هذا اللّفظ بقطع النّظر عما يؤدّيه في واقع الخطاب... ومن جهة أخرى ما هو راجع إلى استعمال هذا اللّفظ؛ أي إلى تأديته للمعاني المقصودة بالفعل وهي الأغراض"[56]، فبنظرهم إلى الوضع معزولا تمكّنوا من إيجاد "الجامع، أي عمّا يجمع بين أفراد الجنس الواحد، بالاعتماد لا على صفاتها المميّزة فقط التي تجعلها تندرج في هذا الجنس بل بالنّظر في هيئتها وزنتها"[57]، وبنظرهم إلى الاستعمال تمكّنوا من دراسة دلالات الألفاظ والتّراكيب بحسب السّياق، لكن بمراعاة المعاني الوضعيّة، أو بالأحرى إنّها "تنطلق من هذه المعاني الوضعيّة، ثمّ ينظر الباحث في تحوّلها حسب ما يقتضيه العقل لا الوضع... فبين هذا المنطلق الموضوعي المشاهد وبين ما يقتضيه العقل في ذاته كدلالة المعنى أو حال الخطاب يأتي دور المنطق الدّلاليّ ومنطق التّبليغ (Communication) وهو ميدان يسمّيه علماؤنا بالبلاغة أو البيان في أقدم أساميهما"[58].
- يمكن إضافة فرق آخر إلى هذه الفروقات وهو عزل النّصّ عن منتجه وعن السّياق عند البنويّين، بخلاف علماء العربيّة فقد أعطوا اهتماما كبيرا لدور المتكلّم وتصرّفاته بحسب الأغراض وما يستدعيه مقتضى الحال، وكذلك أحوال السّامع وغير ذلك مما له دور في عمليّة التّخاطب[59].
2- بين النّظرية النّحويّة العربيّة والنّظريّة التّوليديّة التّحويليّة: من المعروف أنّ النّظرية التّوليديّة التّحويليّة قامت على نقد البنويّة، وتخصيصا في توجّهها التّصنيفيّ السّاذج الذي يبتعد عن التّفسير، ويغفل البحث عن مختلف العلاقات بين الجمل فيما بينها، كما أنّه لا يحمل بعضها على بعض لمعرفة المحوّل من غير المحوّل، ويرى الحاج صالح أنّ بين التّوليديّة التّحويليّة والنّحو العربي تقاربا كبيرا في النّظر إلى هذه المسائل، ويرجع هذا التّقارب، في نظره، إلى اطّلاع زعيم هذه النّظريّة نوام تشومسكي على ما أنجز في النّظريّة النّحويّة العربيّة، قال موضّحا هذا الاطّلاع ومبيّنا الأسس التي تقوم عليها: "أمّا فيما يخصّ نظريّة تشومسكي فلابدّ أن نعترف لهذا الرّجل العبقريّ بالفضل الكبير على اللّسانيات كما لابدّ أن نلفت نظر الإخوان اللّسانيّين إلى أنّه قد عرف الشّيء الكثير عن النّظريّات والتّصوّرات اللّغويّة العربيّة، وذلك من خلال دراسته للنّحو العبريّ الذي وضعه أحبار اليهود في القرون الوسطى، وكذلك من خلال دراسته للأجرّوميّة على أستاذه روزانتال، وقد التفت إلى مفهوم القاعد النّحوية، وتفطّن إلى أهميّتها لا كمجرّد قاعدة تفرض معيارا من المعايير، بل كنمط يكتسبه الطّفل بإنشائه إيّاه شيئا فشيئا من استماعه ومساهمته لكلام محيطه، وهو نوع من الاستنباط الإنشائيّ ( Constructif) وليس بمجرّد تدخّل الذّاكرة، ثم أرجع لمفهوم التّحويل (Transformation) قيمته ودوره، وقد كانت اللّسانيات التّاريخيّة ثمّ البنويّة قد نفته تماما من البحث اللّغوي"[60]، لكن ليس معنى هذا أنّ النّظريّة التّوليديّة التّحويليّة تطابق النّظريّة النّحوية العربيّة، إذ إنّ هناك العديد من الفروقات، وقد ركّز الحاج صالح على بيان فرقين أساسين؛ الفرق الأوّل له تعلّق بمنطلق التّحليل، أمّا الفرق الآخر فله تعلّق بمبدإ إجرائيّ معتمد في النّظريّتين، ألا وهو التّحويل.
أ- منطلق التّحليل: يرى الحاج صالح أنّ التّوليديّين ينطلقون في تحليلاتهم من الجملة دون تحديد سابق لها، مفترضين أنّها تتكوّن من مكوّنين كبيرين (مركّب اسميّ ومركّب فعليّ)، قال: "أما أصحاب النّحو التّوليديّ (ونظريّة المكوّنات) فإنّهم يفترضون أنّ كلّ جملة تنقسم إلى تركيب اسميّ وتركيب فعليّ (Noun phrase/ Verb phrase ) فهم ينطلقون من شيئين بالتّحكم الكامل: مفهوم الجملة بدون تحديد، وافتراض انقسامها بدون دليل في البداية وهو تحكّم محض"[61]، أمّا منطلق النّحاة العرب المتقدّمين فله ما يبرّره وهو "واقع اللّفظ وواقع الخطاب نفسه"[62]، أي أنّهم لا يفترضون شيئا كما هو الحال مع التّوليديين بل ينطلقون من النّظر "في الكلام الطّبيعي، أي في المخاطبات العاديّة ما هو أقلّ ما يمكن أن ينطق به من الكلام المفيد. فيكون ذلك بالنّسبة لكلام العرب قطعة صوتيّة مثل#  كتاب   #... وهذه القطعة هي في الوقت نفسه كلام مفيد وقطعة لفظيّة لا يمكن أن يوقف على جزء منها مع بقاء الكلام مفيدا، وهذا ما يصفونه بأنّه (ينفصل ويبتدأ). ويختبرون هذه القطعة بحملها على قطع أخرى لها منزلتها؛ أي (تنفصل وتبتدأ). فعبارات أخرى مثل: #  بكتاب  #و#  بالكتاب   #و#  كتاب كبير   #كلّ واحدة منها يمكن أن تكون كلاما مفيدا ولا يمكن أن يوقف على جزء منها، ثمّ يرتّبون هذه العبارات على أساس تفريعيّ، أي على أنّ بعضها أصل لبعض"[63].
   فالمنطلق في تحديد المكوّنات التي يتركّب منها الكلام هو الكلام ذاته لا شيء مفترض لا يمكن التّدليل على وجوده، إذ من المعلوم أنّ أقلّ ما يمكن أن ينطق به في التّواصلات العاديّة هو اسم أو فعل له تعلّق بمحذوف، لكنّه مستقلّ من حيث النّطق، فمثلا كلمة (زيد) كجواب لسؤال (من جاء؟) تشكّل كلاما مفيدا (وهي تشكّل أقلّ ما يمكن أن ينطق به ممّا له إفادة)، وإذا نظر إليها في ذاتها كقطعة منطوقة فإنّه لا يمكن فصل أجزائها عنها وإلّا فقدت مدلولها الوضعيّ، خصوصيّة مثل هذه المفردة كذلك هي أنّه يمكن فصلها والابتداء بها لبناء كلام مفيد، إلّا أنّ هذه المفردة يمكن أن يضاف إليها بعض الزوائد مع بقائها مفردة؛ مثل أداة التّعريف، وحرف الجرّ، والتّنوين، والمضاف إليه، والصّفة بالنّسبة للاسم، وقد والسّين وسوف والتّاء بالنّسبة للفعل، وكلّ زائد من هذه الزاوئد لا يخرج الاسم أو الفعل عن حدّ الانفراد، فمثلا: (الكتاب الكبير) يشكّل اسما مفردا لأنّه يمكن أن يحلّ محلّ ذلك المفرد الأصل، أي أنّه متفرّع عن تلك المفردة الأصل (كتاب)، وبهذه الطّريقة تضبط الوحدات الصّغرى (مما ينفصل ويبتدأ) وتضبط المكوّنات التي يمكن أن تتألّف منها هذه الوحدات، والتي لكلّ مكوّن منها موضع خاصّ. دراسة المفردات الصّغرى والمكوّنات التي يمكن أن تلحقها تشكّل ما يعرف بمستوى اللّفظة. فالجملة بهذا تتكوّن من مجموع ألفاظ (واللّفظ بدوره قد يكون مكوّنا من مجموع كلمات وهكذا).
      ولضبط البنية التّجريديّة للجملة في العربيّة نجدهم انطلقوا كذلك من الكلام التّواصليّ، مركّزين على أقلّ ما ينطق به من الكلام المفيد مما هو أكثر من اللّفظة، وذلك مثل: (زيد منطلق)، ثمّ يختبرون هذا التّركيب بزيادة ما يمكن زيادته عليه مع بقاء هذه النّواة[64] التي تشكّل الأصل، ويمكن تفريع فروع أخرى بالزّيادة على ذلك الأصل، ولاحظوا أنّ تلك الزّيادات تؤثّر على تلك النّواة تأثيرا لفظيّا وتأثيرا معنويّا، و بمراعاة هذا التّأثير أطلقوا مصطلح العامل على تلك الزّيادة، وما تؤثّر فيه أطلقوا عليه معمولا، وقد جرّد الحاج صالح للجملة العربيّة تمثيلا يستوعبها وهو:
 [(ع        م1) - + م2] - + خ، حيث: ع: العامل/ م1: المعمول الأول/ م2: المعمول الثاني/ خ: المخصص/
            : التّرتيب الواجب/ (  ) : الزّوج المرتّب/  [   ]: الوحدة التّركيبيّة الصّغرى[65]. ومن هنا نفهم أنّ بين النّظريّتين بونا شاسعا لا يمكن إغفاله.
ب- التّحويل بين النّظريّة التّوليديّة التّحويليّة والنّظريّة النّحويّة العربيّة: لجأ تشومسكي إلى التّحويل لتفسير بعض الظّواهر اللّغويّة، مثل المبنيّ للمجهول، وبعض التّراكيب التي تتعدّد فيها الدّلالة، والتي لا يمكن أن تفهم إلّا بإرجاعها إلى بنية عميقة تتّضح فيها المكوّنات الأصل المؤلّفة للجملة والتي من خلالها يتمّ توجيه مدلول الجملة، ويرى الحاج صالح أنّ التّولديّين لم يهتمّوا "إلّا بنوع واحد من التّحويلات، وهي التّحويلات التّقديريّة"[66] التي تؤدّي دور المفسّر لمختلف التّغيّرات التي تطرأ على البنية العميقة في الجملة وتظهر على مستوى البنية السّطحيّة (من حذف أو زيادة أو تقديم...)، ومن ثمّة فالتّحويل عند التّوليديّين وسيلة تفسيريّة محصورة بين البنية العميقة والبنية السّطحيّة ومحصورة في الجملة لا تتعدّاها.
     أمّا النّحاة العرب فقد كانت نظرتهم مختلفة عن نظرة التّوليديّين، فهم لا يلجأون إلى التّحويل إلّا إذا حدثت مخالفة للأصل، حيث يرجعون الفرع إلى ذلك الأصل، أمّا ما كان على أصله فإنّه لا حديث فيه عن البنية التّقديريّة ولا عن التّحويل، يقول الحاج صالح: "وهناك فرق جدير بالذّكر: فقد التزم النّحاة برفض التّقدير إذا جاء اللّفظ على ما يقتضيه بابه أي على أصله فكلّما اتّفق اللّفظ في ظاهره مع الأصل فلا كلام فيه، وهذا بخلاف ما يزعمه أتباع تشومسكي حين عمموا ... مفهوم التحويل التقديري، وجعلوا لكل لفظ ظاهر بنية عميقة ذات دلالة"[67]، ويضاف إلى هذا الفرق فرق آخر له تعلّق بمجال اعتماد التّحويل في التّفسير فـ"النّحاة العرب لم يكتفوا بالتّحويل التّقديريّ بل عمّموا التّحويل غير التّقديري وأجروه على التّحويل بأجمعه، أو بعبارة أخرى جعلوا النّظام اللّغوي كلّه أصولا وفروعا، وهنا يكمن الفرق الأساسيّ بين النّحو التّوليديّ النّمطيّ... والنّحو العربيّ، فالتّحويل عند النّحاة ... هو عبارة عن تفريع بعض العبارات عن عبارات أخرى تعتبر أبسط منها، وبالتّالي أصولا لها... والأصل عند العرب هو ما يبنى عليه ولم يبن على غيره، وهو أيضا ما يستقلّ بنفسه... أي يمكن أن يوجد في الكلام وحده، ولا يحتاج إلى علامة ليتمايز عن فروعه ... والفرع هو الأصل مع زيادة، أي مع شيء من التّحويل، فالانتقال من الأصل إلى الفرع هو تحويل يخضع لنظام من القواعد"[68].
   ومن خلال هذه المقارنات التي أجراها الحاج صالح بين النّظريّتين الغربيّتين الشّهيرتين يمكن القول إنّ النّظريّة النّحويّة العربيّة نظريّة أصيلة ومتميّزة، وإن تقاطعت في بعض مبادئها مع نظريّات أخرى فإنّه لا يجب التّسرّع في قبول هذا التّقاطع إلّا بعد التّأكّد من المضامين المفاهيميّة التي قصدها أولئك العلماء، ومن ثمّة يبقى لهذه النّظريّة بناءها العلميّ الأصيل المتميّز، ولبيانه أكثر نتطرّق إلى مختلف المفاهيم الأساس التي تشكّل لحمتها.
ج- المفاهيم الأساس للنّظريّة الخليليّة: بعد إثبات تميّزها وأصالتها يجدر بنا أن نعرض لأهمّ مفاهيمها الأساس، وفي عرض مفاهيمها الأساس دعوة إلى تبنّيها وترك التّماهي فيما ينجزه الآخر الغربيّ، دعوة إلى التّمسّك بما صحّ من هذا التّراث والعمل على إثرائه وتطويره.
    إنّ المطّلع على ما كتبه الحاج صالح فيما يتعلّق بهذه النّظرية يجده يركّز على ما يشكّل الأرضيّة المنهجيّة والمصطلحاتيّة الأصيلة، ومن أهمّها المفاهيم والمبادئ المعتمدة في النّظر إلى اللّغة وتحليلها عند الخليل ومن تبعه، ومن أبرزها[69]:
-       مفهوم الاستقامة وما إليها، وما يترتّب على ذلك من التّفريق المطلق بين ما يرجع إلى اللّفظ وبين ما هو خاصّ بالمعنى
-       مفهوم الانفراد في التّحليل وما يتفرع من هذا المفهوم
-       مفهوما الوضع والعلامة العدميّة
-       مفهوما اللّفظة والعامل
وإلى جانب هذه المفاهيم يمكن ذكر مفاهيم أخرى متفرّعة عنها، مثل: مفهوم الأصل والفرع، مفهوم التّفريع، مفهوم القياس...
وعلى كلّ، فهذه المفاهيم تقودنا إلى نقطة مفادها أنّ هذه النّظريّة قد استطاعت أن تحقّق لنفسها كفاية علميّة (من حيث وضوح التّصوّر، ووضوح الأهداف، وكفاية في المفاهيم،...)، وحتّى تتّضح الرّؤية أكثر نذكر بإيجاز التّصوّر الذي تحمله مختلف هاته المصطلحات التي أتينا على ذكرها، ونحيل القارئ للتّوسع على ما كتبه الأستاذ عبد الرحمن من مقالات فيما يتعلّق بالنّظريّة الخليليّة.
1- مفهوم الاستقامة وما إليها: يقودنا هذ المفهوم إلى المرتكز التّحليلي الذي كان ينطلق منه النّحاة، فقد ركّزوا في بعض الجوانب على اللّفظ وحده (التّحليل النّحوي Analyse grammatical )، كما ركّزوا في جوانب أخرى على المعنى (التّحليل الدّلاليّ Analyse sémantique)، فاللّفظ إذا حُدّد أو فُسّر باللّجوء إلى اعتبارات تخصّ المعنى فالتّحليل هو تحليل معنويّ لا غير، أمّا إذا حصّل التّحليل والتّفسير على اللّفظ دون أيّ اعتبار للمعنى فهو تحليل لفظيّ نحويّ[70]، ويرى الحاج صالح أنّ النّحاة العرب لم يكونوا يخلطون بين هذين التّحليلين، بل كانوا يميزون بينهما تمييزا دقيقا، ومن ثمّة فـ"التخليط بين هذين الاعتبارين يعتبر خطأ وتقصيرا، وذلك كالاقتصار على تحديد الفعل بأنّه ما دلّ على حدث وزمان، فهذا تحديد على المعنى، فهو جيّد ولكنّه من وجهة المعنى، أمّا التّحديد على اللّفظ فهو ما تدخل عليه من زوائد معينة كـ(قد والسّين ويتّصل به الضّمير في بعض صيغه"[71].
2- الانفراد وحدّ اللّفظة: أمّا مفهوم الانفراد فيحيل على الطّريقة التي كان يعتمدها النّحاة في ضبط وحدات اللّغة (ألفاظا، وجملا) والتّبرير لها اعتمادا على اللّغة ذاتها لا على شيء مفترض (كما هو الحال عند التّوليديّين)، أمّا مصطلح اللّفظة، التي يراها الحاج صالح مفهوما عربيّا خالصا لا وجود له في اللّسانيات، فتعني الكلمة التي يمكن انفرادها، كما تعني الكلمة بلواحقها التي لا تخرجها عن بابها مع إمكان نيابتها عن تلك الكلمة المفردة (في حكم المفرد)، فمثلا: الاسم قد يكون كلمة مفردة وقد تدخل عليه زوائد لا تخرجه عن حدّ الاسميّة لأنّه يبقى متّسما بسمة الانفصال والابتداء، مثل (الرّجل الكريم الذي جاءنا البارحة) يشكّل لفظة واحدة، وهذه اللّفظة مكوّنة من مجموعة كلمات لكنّها لا تخرجه عن بابه.
3- الموضع والعلامة العدميّة: الموضع هو المحلّ التّجريدي الذي يمكن أن يحلّ فيه عنصر من العناصر المؤثّرة، فإذا خلا ذلك المحلّ من العنصر سمّي علامة عدميّة، ويمكن التّمثيل في هذ السّياق بالعامل، فقد يذكر عامل لفظيّ، وقد لا يذكر تاركا المحل لعامل آخر هو العامل المعنويّ، كما يمكن التّمثيل للموضع والعلامة العدميّة على مستوى اللّفظة كذلك، وذلك حين يتعلّق الأمر بالعلامات التي تميّز الأصول من الفروع (المذكّر والمؤنّث/ المفرد والمثنّى والجمع...).
4- العامل: يرتبط مفهوم العامل في النّظريّة الخليليّة ربط تبعيّة بالبنية التّركيبيّة للجملة، فهو المحرّك الحقيقيّ لعناصرها والضّابط لترتيبها ولعلاقاتها، والمحدّد لوظائفها التّركيبية ولإسناد الحركات الإعرابيّة المناسبة لها، حيث لاحظ النّحاة "أنّ الزّوائد على اليمين تغيّر اللّفظ والمعنى، بل تؤثّر وتتحكّم في بقية التّركيب كالتّأثير في أواخر الكلم (الإعراب)"[72]، وهذا المصطلح يكون على مستوى الجملة دون غيره من المستويات الأخرى.
5- الأصل والفرع: هذا المفهوم له تعلّق كبير بمفهوم الانفراد، ذلك أنّه الشّيء الذي يمكن فصله، وله دلالة تعدّ أصلا، هذا الأصل يمكن أن تدخل عليه زوائد تخرجه من الأصالة إلى الفرعيّة، غير أنّ فكرة الأصل والفرع ليس محصورة في مستوى اللفظة أو الجملة بل نجدها تمتدّ عند النّحاة العرب لتشمل جميع مستويات اللّغة، فهي تستغرق البنية اللّغويّة في شموليّتها وكليّتها إفرادا وتركيبا.
6- القياس: القياس في النّظرية الخليليّة أداة إجرائيّة لاستنباط القواعد، وإلحاق بعض العناصر اللّغويّة بأخرى لوجود علاقة بينهما، يقول الحاج صالح: "أمّا القياس النّحوي فهو... حمل شيء على شيء لوجود بنية جامعة بينهما، أو استنباط هذه البنية وإثباتها بهذا الحمل، وهذا في الرّياضيات هو ما يسمّى بمقابلة النّظير بالنّظير... ثمّ هذا القياس النّحويّ هو أيضا مثال مولّد للعبارات السّليمة، ولذلك يتمّ به تفريع الفروع ابتداء من الأصل..."[73].
7- المثال: يرى الحاج صالح أنّ "النّحو كلّه مثل، لأنّها الصّيغ والرّسوم، وهو شيء صوريّ (Formal)، التي تبنى عليها كلّ وحدات اللّغة إفرادا وتركيبا، فهو تصوّر وتمثيل لما تحدثه الحدود الإجرائيّة، وعلى هذا فمثال الكلمة هو بناؤها ووزنها لأنّه يمثل بكيفيّة صوريّة مجرّدة الهيئة التي يكون عليها هذا الجزء من اللّفظة الذي يسمّى بالكلمة..."[74].
8- مفهوم الوضع والاستعمال: فرّق النّحاة بين هذين المستويين مميّزين جيّدا "بين كلّ ما هو راجع إلى الوضع أي ما يخصّ اللّفظ الموضوع للدّلالة على معنى، وهذا المعنى المدلول عليه باللّفظ وحده، ومن ثمّ ما يخصّ بنية هذا اللّفظ بقطع النّظر عمّا يؤدّيه في واقع الخطاب... ومن جهة أخرى ما هو راجع إلى استعمال هذا اللّفظ؛ أي إلى تأديته للمعاني المقصودة بالفعل وهي الأغراض"[75].
   هذه هي جلّ المفاهيم والتّصورات الأصيلة التي تميّزت بها هذه النّظريّة، والملاحظ أنّ هذه المفاهيم قد أكسبتها كفاية علميّة (حيث توضّحت فيها الرّؤية، وتحدّد فيها الهدف، وتبيّنت خصوصيّة النّظر، وأصالة المفاهيم المعتمدة).
      خاتمة: ومن هذا كلّه نفهم أنّ الذّات العربيّة لن يكون لها قيمة في هذا الواقع المعولم إلّا بالعلم الصّحيح الذي يفكّ أسرها من أيّ تبعيّة أو تماه، ويجعلها تسهم في إضافات تكسبها تميّزا وتعطيها قيمة، وأعتقد، جازما، أنّ في إحياء هذه النّظريّة محافظة على هذه الذّات، إذ تنبّهنا إلى أنّ العقل المنتج ليس حكرا على الأوربيّ أو الأمريكي فقط.
ويمكن في الأخير تسجيل أهمّ نتائج هذا المقال في النّقاط الآتية:
1-       النّظريّة الخليليّة الحديثة نظريّة معاصرة بأصول ومرجعيّات قديمة.
2-       يعدّ التعصب والجهل بالموروث اللّغويّ القديم من أكبر أسباب النّفور منه.
3-       العلم الحقّ، الذي يجب تبنّيه وتقبّله، هو العلم الأصيل المؤيّد بالدّليل، سواء كان منتجه عربيّا أم غربيّا.
4-       النّظريّة الخليليّة القديمة الأصيلة تختلف في كثير من جوانبها اختلافا كبيرا عن النّظريّة المعروفة مع النّحاة المتأخّرين (ابن مالك، ابن هشام...).
5-       روافد هذه النّظريّة ومنابتها الأولى عربيّة أصيلة وليس بالإمكان ردّها.
6-       النّظريّة الخليليّة الحديثة نظريّة اكتسبت تميّزها من مخالفتها للنّظريّات الغربيّة الحديثة.
7-       تقوم هذه النّظريّة على مجموعة أسس، روعي في وضعها جانبا المعنى واللّفظ.




[1] -  للأصالة عند الحاج صالح مفهوم خاصّ ينافي التّقليد كما ينافي التّمسك بالقديم لأنّه قديم (ستعرض المقالة لمدلول الأصالة فيما بعد).
[2] - عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة والدراسات اللسانية الحالية في العالم العربي، بحث ألقي في ملتقى حول تطور اللسانيات في العالم العربي، الذي نظمته اليونيسكو في الرباط سنة 1987، ضمن كتاب: عبد الرحمن الحاج صالح، بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، موفم للنشر، الجزائر، ج1، ص208 .
[3] - عبد الرحمن الحاج صالح، مستقبل البحوث العلمية في اللّغة العربيّة وضرورة استثمار التّراث الخليلي، بحث ألقي في ندوة نظمها المعهد العالي للحضارة الإسلامية بوهران، سنة 1989، ضمن كتاب: بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج2، ص45.
[4] - عبد الرحمن الحاج صالح، الأصالة والبحوث اللغوية الحديثة، المرجع نفسه، ج1، ص13- 14.
[5] - عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة والدراسات اللسانية الحالية في العالم العربي، المرجع السابق، ج1، ص 208.
[6] - عبد الرحمن الحاج صالح، مستقبل البحوث العلمية في اللغة العربية وضرورة استثمار التراث الخليلي، المرجع نفسه، ج2، ص44.
[7] - عبد الرحمن الحاج صالح، تكنولوجيا اللغة والتراث اللغوي الأصيل، محاضرة ألقيت في 1984 في قاعة المؤتمرات لمجمع اللغة العربية الأردني، ونشرت في الموسم الثقافي الثاني لهذا المجمع، ضمن كتاب: بحوث ودارسات في اللسانيات العربية، ج1، ص 280.
[8] - يرى  الحاج صالح أنّ التّقليد "هو اتّباع الإنسان لغيره فيما يقول أو يفعل معتقدا الحقية فيه من غير نظر وتأمل في الدّليل... أو بعبارة أخرى هو اتّخاذ أقوال الغير كحقائق لا تقبل الجدال وعدم الإتيان بأي ابتكار"، من مقال: عبد الرحمن الحاج صالح، الأصالة والبحوث اللغوية الحديثة، المرجع السابق، ج1، ص11.
[9]  - عبد الرحمن الحاج صالح، تكنولوجيا اللغة والتراث اللغوي الأصيل، ضمن كتاب: بحوث ودارسات في اللسانيات العربية، ج1، ص282.
[10] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص282.
[11] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص283.
[12] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص289.
[13] - عبد الرحمن الحاج صالح، مستقبل البحوث العلمية في اللغة العربية وضرورة استثمار التراث الخليلي، المرجع السّابق، ج2، ص46.
[14] - عبد الرحمن الحاج صالح، الأصالة والبحوث اللغوية، مرجع سابق، ج1، ص11.
[15] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص ص11- 12.
[16] - عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة ومشاكل معالجة العربية بالحاسوب، بحث ألقي في مؤتمر اللغويات الحسابية، بالكويت، 1989، ضمن كتاب: بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج1، ص241.
[17] - عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة ومشاكل معالجة العربية بالحاسوب، بحث ألقي في مؤتمر اللغويات الحسابية، بالكويت، 1989، ضمن كتاب: بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج1، ص241- 242.
[18] - عبد الرحمن الحاج صالح، الأصالة والبحوث اللغوية الحديثة، المرجع السابق، ج1، ص14- 15.
[19] - عبد الرحمن الحاج صالح، الجملة في كتاب سيبويه، بحث مقدم لمؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة في 1993، (ونشر في مجلة المجمع سنة 2000)، كما قدم في ندوة النحو والصرف المنعقدة في دمشق سنة 1994، ونشر في مجلة المبرز الصادرة عن المدرسة العليا للأساتذة للآداب والعلوم الإنسانية بالجزائر، سنة 1995، مجموعة ضمن كتاب: بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج1، ص290.
[20] - ابن عقيل، شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، ج1، ص15.
[21] - عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة ومشاكل معالجة العربية بالحاسوب، المرجع سابق، ج1، ص242.
[22] - المقال نفسه، المرجع سابق، ج1، ص242.
[23] - عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة ومشاكل معالجة العربية بالحاسوب، المرجع نفسه، ج1، ص243.
[24] - جمال الدين بن مالك، شرح التّسهيل، تح: أحمد السيد أحمد علي، دط، دت، المكتبة التوفيقية، مصر، ج1، ص11.
[25] - ابن عقيل، شرح ابن عقيل، ج1، ص201.
[26] - عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة ومشاكل معالجة العربية بالحاسوب، مرجع سابق، ج1، ص243.
[27] - عبد الرحمن الحاج صالح، النحو العربي ومنطق أرسطو، نشر هذا البحث في مجلة كلية الآداب بجامعة الجزائر، العدد1، 1964، مجموع ضمن كتاب: بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج1، ص44 .
[28] - للتوسعة ينظر: الأزهري ريحاني، النحو العربي والمنطق الأرسطي (دراسة حفرية تداولية)، منشورات اتحاد الكتاب الجزائرين، الجزائر، 2005، ص30، وما بعدها.
[29] - عبد الرحمن الحاج صالح، النحو العربي ومنطق أرسطو، المرجع نفسه، ج1، ص46- 47.
[30] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص47.
[31] - عبد الرحمن الحاج صالح، النّحو العربي ومنطق أرسطو، المرجع نفسه، ج1، ص49.
[32] - عبد الرحمن الحاج صالح، مستقبل البحوث العلمية في اللغة العربية وضرورة استثمار التّراث الخليلي، المرجع السّابق، ج2، ص46.
[33] - عبد الرحمن الحاج صالح، النحو العربي ومنطق أرسطو، المرجع نفسه، ج1، ص50.
[34] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص50.
[35] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص50.
[36] - عبد الرحمن الحاج صالح، النّحو العربي ومنطق أرسطو، المرجع نفسه، ج1، ص50.
[37] - عبد الرحمن الحاج صالح، النّحو العربيّ ومنطق أرسطو، المرجع نفسه، ج1، ص52.
[38] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص57.
[39] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص57.
[40] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص58.
[41] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص60.
[42] - عبد الرحمن الحاج صالح، النّحو العربيّ ومنطق أرسطو، المرجع نفسه، ج1، ص60.
[43] - عبد الرحمن الحاج صالح، النحو العربي والبنوية، اختلافهما النظري والمنهجي، ألقي هذا البحث في مجمع اللغة العربية بالقاهرة في 1997، مجموعة ضمن كتاب: بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج2، ص23.
[44] - عبد الرحمن الحاج صالح، النحو العربي والبنوية، اختلافهما النظري والمنهجي، ألقي هذا البحث في مجمع اللغة العربية بالقاهرة في 1997، مجموعة ضمن كتاب: بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج2، ص24.
[45] - إلا أنّه يجدر بنا التّنبيه إلى أنّ المدوّنة عند البنويين مدونة مغلقة (تنحصر في عينة محدودة وضيقة ومختارة من الدارس نفسه) أمّا عند النّحاة العرب فهي مدونة مفتوحة (غير محدودة، فكلّ ما صحّ أنه يندرج في عصر الاحتجاج أمكن الاستشهاد به دون تحرج، سواء كان من جمع الدارس أم من جمع غيره).
[46] - عبد الرحمن الحاج صالح، النّحو العربي والبنوية، اختلافهما النّظري والمنهجي، ألقي هذا البحث في مجمع اللغة العربية بالقاهرة في 1997، مجموعة ضمن كتاب: بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج2، ص25
[47] - عبد الرحمن الحاج صالح، النّحو العربي والبنوية، اختلافهما النّظري والمنهجي، المرجع السابق، ج2، ص26.
[48] -  المقال نفسه، المرجع السابق، ج2، ص27.
[49]- المقال نفسه، المرجع نفسه، ج2، ص27.
[50] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج2، ص28.
[51] - ينظر: المقال نفسه، المرجع نفسه، ج2، ص28.
[52] - عبد الرحمن الحاج صالح، النحو العربي والبنويّة، اختلافهما النّظريّ والمنهجيّ، المرجع نفسه، ج2، ص31.
[53] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج2، ص41.
[54] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج2، ص34.
[55] -  المقال نفسه، المرجع نفسه، ج2، ص37.
[56] - عبد الرحمن الحاج صالح، النحو العربي والبنويّة، اختلافهما النّظريّ والمنهجيّ، المرجع السابق، ج2، ص36.
[57] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج2، ص37.
[58] - عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة ومشاكل معالجة العربية بالحاسوب، المرجع نفسه، ج1، ص262.
[59] - عبد الرحمن الحاج صالح، التحليل العلمي للنصوص، بين علم الأسلوب وعلم الدلالة والبلاغة العربية، مقال نشر في مجلة المبرز للمدرسة العليا للأساتذة بالجزائر، سنة 1995، العدد 6، مجموع ضمن كتاب: بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج1، ص350.
[60] - عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة والدراسات الحالية في العالم العربي، بحث ألقي في ملتقى حول تطور اللسانيات في العالم العربي الذي نظمته اليونيسكو في الرباط، من 1 إلى 11 أفريل، سنة 1987، مجموع ضمن كتاب: بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج1، ص215.
[61] - عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة ومشاكل علاج العربية بالحاسوب، ضمن المرجع السابق، ج1، ص248.
[62] - المقال نفسه، ضمن المرجع السابق، ج1، ص249.
[63] - المقال نفسه، ضمن المرجع السابق، ج1، ص249.
[64] - ينظر: عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة ومشاكل علاج العربية بالحاسوب، المرجع السّابق، ج1، ص253.
[65] -  ينظر: المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص254.
[66] - عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة والدراسات الحالية في العالم العربي، المرجع السابق، ج1، ص212.
[67] - المدرسة الخليلية الحديثة والدراسات الحالية في العالم العربي، عبد الرحمن الحاج صالح، المرجع السابق، ج1، ص216.
[68] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص217.
[69] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص ص217 – 218.
[70] - عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة والدراسات اللسانية الحالية في العالم العربي، المرجع السابق، ج1، ص217.
[71] - المقال نفسه، المرجع نفسه، ج1، ص 217- 218.
[72] - عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة والدراسات اللسانية الحالية في العالم العربي، المرجع السّابق، ج1، ص223.
[73]- عبد الرحمن الحاج صالح، تعال نحيي علم الخليل، أو الجوانب العلمية المعاصرة لتراث الخليل وسيبويه، قدم هذا البحث في مجمع اللغة العربي في القاهرة، سنة 2002، مجموع ضمن كتاب: بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج2، ص77.
[74]- عبد الرحمن الحاج صالح، المدرسة الخليلية الحديثة ومشاكل علاج العربية بالحاسوب، ضمن المرجع السّابق، ج1، ص251.
[75]- عبد الرحمن الحاج صالح، النحو العربي والبنوية، اختلافهما النظري والمنهجي، المرجع السابق، ج2، ص36.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال