آخر المنشورات

إعلان الرئيسية العرض كامل

إعلان أعلي المقال

                                      (بين التغييب والتكامل)                                                  

                                                                          د . الزايدي بودرامة               

                                                       boudzaidi@yahoo.fr
 كلية الآداب والعلوم الإنسانية  جامعة محمد لمين دباغين، سطيف2، الجزائر                    

          
                                                   
       
 ملخص:    
تهدف هذه الورقة البحثية إلى إعطاء صورة عن التّأثير الذي تمارسه اللّسانيات الحديثة على بعض معطيات المنجز اللّغوي العربي القديم، وذلك سعيا إلى إرساء ثقافة وعي موضوعية لدى القارئ العربي تجعله يضع علم اللسانيات الموضع اللائق بها دون إفراط أو تفريط، وبما أنّ المصطلح هو دعامة العلوم ولحمتها فقد وجهت هذه الورقة لتتبع هذا التأثير (إيجابا وسلبا، أو تغييبا وتكاملا) من خلال المصطلح.     ومن أهم نتائج هذه الورقة التأكيد على أن علم اللسانيات فيه من صور التكامل أكثر من صور التغييب، فيمكن أن نضيف إلى منظومتنا التراثية من النتائج التي يتوصل إليها هذا العلم الشيء الكثير، لكن هذه الإضافة مرهونة بمدى استيعابنا لتراثنا وتمثلنا له، ومعرفتنا للنقائص التي تحتاج إلى تكميل.
                                                                             Abstract:     
 This research paper aims at giving a picture of the effect exercised by linguistics on the ancient  Arabic language product for the sake of establishing an objective culture of awareness to the Arabic reader making this latter consider and  give linguistics  the importance it needs without excess or negligence and since terminology is considered as the support of  sciences, I directed such a paper to trace such an effect ( positively and negatively ; with disregard or complementarily) throughout terminology.
      Among the significant results of such a paper, the assertion that linguistics encompasses more  images of complementarity than those of disregard. Thus, we can add to our heritage system more of the results attained by this science, but such an addition is subject to the extent of the assimilation to our heritage and to the awareness of the shortcomings that require complementation.1- مقدمة:                                                         
      إنّ إدراك المصطلح وفهمَه هو إدراك وفهم للعلم ذاته؛ فإذا كان العلم هو مجموعة الأنظار الممارسة على واقع ما، فإنّ الذي يحمل تلك الأنظار ويسهّل تداولها بين مستعمليها هو مفاهيمها المتضمنة في مصطلحاتها، يقول المسدي: "مفاتيح العلوم مصطلحاتها، ومصطلحات العلوم ثمارُها القصوى، فهي مجمع حقائقها المعرفية وعنوان ما به يتميّز كلّ واحد منها عمّا سواه، وليس من مسلك يتوسّل به الإنسان إلى منطق العلم غير ألفاظه الاصطلاحية"[1].     ومن المعلوم بالضّرورة أنّ أبرز دليل على العلم هو معرفة اللّسان الحامل له، فبالعلم بذلك اللسان تحصل معرفة بيان العلم ودلالاته[2]، ذلك أنّ المصطلح الذي يتم وضعه للدّلالة على خصوصيّة تلك المفاهيم لابدّ أن يراعى في وضعه وبيان تلك الخصوصيته على اللسان ذاته، ولذلك ذهب علماء الأصول قديما إلى أن سبب الابتداع الجهل بلسان العرب، كما اشترطوا أن لا تثبت الألفاظ الدّخيلة أو تنفر إلا بعد الاستفسار عن معانيها، فإن وجدت معانيها أثبتت وإن لم توجد نفيت[3]، واشتراط هذا الشرط منظور فيه إلى إزالة الاختلاف والاحتمال في دلالة المصطلح؛ لأنه إذا كان فيه اختلاف أو احتمال دلّ هذا على أنه لا يملك أصلا صحيحا، أو بعبارة أخرى: إن مفهومه غير متّفق عليه.2- طرح المشكلة:   إنّ تشكّل المفهوم وضبطه أمران سابقان لوضع أيّ مصطلح، لأنّ الثّاني (المصطلح) ليس له إلا دور تسمية الأوّل (المفهوم) بغرض تداوله وتسهيل معرفته[4]، فأوّل ما يُنتبه إليه - إذن- في وضع المصطلحات هو المفاهيم، ويزداد أمر هذا الانتباه بل تصبح الدّعوة إليه أكثر إلحاحا حين يتعلّق الأمر بترجمته من لغة إلى أخرى، حيث إنّه يتطلّب معرفة دقيقة بالحمولة المفاهيميّة التي يحملها المصطلح المترجَم ثمّ اختيار المصطلح المقابل له في اللغة المترجَم إليها، لكن بشرط أن لا يُغيِّب ذلك المصطلحُ مفاهيمَ متقاربة معه في اللغة المنقول إليها وأن لا يغيَّب هو ذاته، وكثيرا ما يحدث هذا (التغييب) إذا كانت هنالك مفاهيم متقاربة سابقة في تلك اللغة المنقول إليها، وأكثر ما يقع في العلوم التي تخضع لخصوصيات ثقافية تتقاطع فيها المفاهيم؛ كما هو الحال مع اللسانيات والفكر اللغوي العربي القديم.    ولفهم هذه الخصوصيّة وفهم هذا الاضطراب (التغييب خصوصا) وتفسيره، يتوجب علينا مناقشته في دائرة أوسع ينضوي هو تحتها، هذه الدائرة تتعلّق بفهم العلاقة بين اللّسانيات والفكر اللّغوي العربي، أهي علاقة تكامل أم تعارض؟ ذلك أنّ فهم الوحدات الكبرى لهذا السّؤال (اللسانيات / الفكر اللغوي العربي) ستقودنا حتما إلى فهم جيّد لمشكلة المصطلحولعلّ هذا السّؤال يقودنا بدوره إلى أسئلة أخرى من مثل: آلفكر اللغوي العربي فكر منغلق وكامل في ذاته، أم أنه يحتاج في كلّ عصر إلى تجديد وزيادة؟ أم أنّه فكر ارتبط بزمان معين يجب علينا تجاوزه إلى ما نحتاجه في زماننا هذا؟ وما هو واقعه الآن؟ وهل الأسئلة المعرفية والمنهجية التي شغلت النّحاة العرب منذ القرن الأوّل للهجرة تختلف عن الأسئلة اللّسانية المعاصرة؟ وما هو الشيء الجديد الذي أضافته اللسانيات ولم يكن متوفرا في الدرس اللغوي العربي؟ أَوَ يكون من المنطقي حين نريد أن نعرّف بنظرية لسانيّة حديثة أن نخلط مصطلحاتها بمصطلحات تراثية (أي أن نعرف مصطلحاتها بمفاهيم تراثية)؟لن نجيب - طبعا - عن جميع هذه الأسئلة، لكننا سنحاول إعطاء رؤية عامّة تتضمن إجابة لبعضها، وتقودنا في الوقت ذاته إلى إدراك التأثير الممارس على المصطلح (ترجمة وإسقاطا) بين اللسانيات والمنجز اللغوي العربي القديم، وذلك بالتركيز على دراسة مسببات التغييب وإعطاء بعض ملامح التكامل.3- اللّسانيات والفكر اللّغوي العربي:    اللسانيات، كما هو متفق عليه بين الدارسين، هي الدراسة العلمية للغة، واللغة المقصودة ههنا هي اللغة التي تميز الكائن البشري (دون تخصيص أو تفضيل)، إنها "العلم الذي يقرأ اللغة الإنسانية على وفق منظور علمي عميق ودقيق، ويستند إلى معاينة الأحداث وتسجيل وقائعها، قائما على الوصف وبناء النماذج وتحليلها بالإفادة من معطيات العلوم والمعارف الإنسانية الأخرى، ويرمي هذا العلم إلى كشف حقائق وقوانين ومناهج الظواهر اللسانية، وبيان عناصرها ووظائفها وعلاقاتها الإفرادية والتركيبية داخل وخارج بنية النص"[5]، وهناك من يوسع دائرتها لتشمل مختلف التّطورات التي عرفتها عبر تاريخها الحديث فيورد أنّ "الظاهرة اللغوية تبسط أمام الفكر البشري منذ القديم صنفين من القضايا أحدهما نوعي والآخر مبدئي عام، فأمّا الصّنف الأوّل فيتمثّل في عناصر اللغة باعتبارها نظاما مخصوصا له مكوناته الصّوتية والصّرفية والنّحوية والمعجميّة، ولكلّ هذه الأوجه فرع مختص من فروع الدّراسة اللّغوية، وهذا الجانب نوعي باعتبار أنّه متعلّق بكل لغة على حدة، وأمّا الصّنف الثّاني من القضايا فيتّصل بالمشاكل المبدئيّة التي يواجهها الناظر في اللغة من حيث هي ظاهرة بشرية مطلقة، ويتدرج البحث في هذه المسائل من تحديد الكلام وضبط خصائصه إلى تحسُّس نواميسِه المحركة له حتى يقارب مشاكل أكثر تجريدا وأبعد نسبة كقضية أصل اللغة وعلاقة الكلام بالفكر وتفاعل اللغة بالحضارة الإنسانيّة، فضلا عن مشكل الدلالة اللغوية ذاتها وكيف يحدث إدراك العقل لمعاني الألفاظ"[6].   وبناء عليه فاللّسانيات علم شمولي يتناول جميع اللغات دون تفريق، ويدخل ضمنها "كلّ النظريات والمفاهيم والمناهج العلمية التي تتناول اللسان كظاهرة موضوعية، وتحاول تفسيرها بالاعتماد على التّجربة والاستدلال العقلي سواء كان من إبداع اللّسانيين الغربيّين أو غيرهم أم من مواصلة البحث اللساني الذي ابتدأه الخليل وأصحابه"[7]، ومن ثمة فاللّسانيات لا تقوّض أو تلغي المنجزات التي قُدّمت قبلها حول اللغة (سواء كانت القضايا المعالجة عامة أو خاصّة) ومن بينها ما قدّمه الفكر اللّغوي العربي القديم الذي نجده ينضوي تحت لوائها مخصّصا وجهة النّظر والمعالجة.   إننا إذا أمعنا النّظر في جلّ الأعمال اللسانية التي خلّفها الإنسان في اللغة أو التي يمكن أن يخلّفها استقبالا فإنه يمكن حصرها  في ثلاثة إمكانات[8]:1- بعض الدراسات اللسانية ركزت وجهة نظرها على دراسة الخصائص المشتركة بين اللغات جميعها، وهو ما يعرف باللّسانيات الكلية.2- وهناك دراسات جعلت همّها دراسة لغةٍ واحدةٍ معينةٍ وهو ما يعرف باللّسانيات الخاصّة.3- وهناك دراسات وقفت وسطا بين الخاصة والكلية وهي ما يعرف باللسانيات النسبية، حيث تتخذ بعض اللّغات موضوعا لها.ومن ثمّة فالدّرس اللّغوي العربي يندرج ضمن ما يعرف باللسانيات الخاصة التي تتخذ لغة معينة موضوعا  للدّراسة، مع خصوصية - طبعا- في محركات الدّراسة ودوافعها وطريقة المعالجة والنظرلكن إذا كان هذا هو الواقع العلمي للفكر اللغوي العربي مع اللسانيات، فلماذا هذا النّفور منها في الوسط العربي؟ ولماذا نحسّ بأنها علم غربي يريد أن يسلبنا خصوصيّاتنا ويقضي على تراثنا؟     إنّ المدقّق في مرجعيّة هذا الموقف وهذا الصّراع يجد أنّه قد غذته - في رأي الباحث - مجموعة أسباب، منها ما يمكن تسميته بالسبب التأسّيسي، ومنها ما يمكن تسميته بالسّبب الاستقبالي، ويمكننا القول أنه حتى نظرتنا إلى التراث كانت سببا من الأسباب التي أحدثت هذا الصّراع، وسنعرض لكلّ سبب على حدة بنوع من البسط.أ- السّبب التأسيسيّ:       والمتسبب الرئيس في وجوده هم الرواد الأوائل (الغربيين) للفكر اللساني الحديث بدءا من دي سوسير نفسه، فقد أغفل هذا الأخير المنجز اللّغوي العربي إغفالا تاما، ولم يعتدّ في نظرته التراجعية النقدية إلا بما قدّم في الحضارة الغربية (قديما وحديثا)[9].  وما يمكن أن يستنتجه القارئ الحصيف من قراءة بدايات محاضراته[10] هو أنّ اللسانيات المراد إنشاؤها هي لسانيات غربية خالصة، ولا علاقة لها بالمنجز اللغوي الكلي الشامل الذي تدعو إليه كما هو شائع عنها. يقول عبد الجليل مرتاض موضحا المسألة أكثر ومبينا أبعادها: "إن آراء دو سوسير هذه تستوقفنا لا محالة لتوضيح بعض الرؤى العلمية وبلورتها للقارئ العام على وجه أخص، لأنه لن تكون هذه المغالطة الأخيرة التي يقع فيها الرجل عن جهل أو تجاهل، ذلك أنّ من يقرأ هذا الأخير ولا سيما في كتابه الشهير (دروس/ محاضرات في اللسانيات العامة) ليلاحظ هذا السّكوت المتعمد المتغاضى عنه كلما تعلق الأمر بشأن ظاهرة بحث تشترك فيها الإنسانية كلها جمعاء، وقد يكون هذا السكوت إلى درجة المحظور عنده أكثر تعمدا وأزيد تغاضيا حين تتصل ظاهرة بحث لغوي بما يضارعها عند العرب، وحتى عند غيرهم من شعوب عريقة سبقت العرب والغرب معا"[11]، ويقول أيضا: "وفردينان دو سوسير وقف أكبر جزء من حياته العلمية لبحث ودراسة اللغة السنسكريتية وقواعدها كان يعرف هذا، ولكنه أعرض عن كل ما يعرف قصدا منه ليعزو تأسيس بل تشييد الدراسات اللغوية إلى الإغريق أي إلى الغربيين"[12].هذا التغاضي الذي مارسه هؤلاء الرّوّاد الأوائل شكل (في رأيي) نفورا وموقفا قبليا سلبيا تجاه الدّرس اللساني الحديث.ب- السّبب الاستقبالي:       ونعني به كيفية إيصال المنجز اللساني الحديث إلى القارئ العربي العام أو المتخصّص، فبعض "اللّسانيين الأوائل لم يحسنوا زرع النّباتات اللسانية في العالم العربي لأنهم حملوا اللسانيات ولم يحملوا طريقة زرعها في العالم العربي بالحوار المبني على فهم التراث اللغوي العربي أولا، ثمّ فهم المعطيات اللسانية، من هنا حملت الطروحات اللسانية الأولى في العالم العربي اتهاماتٍ للغة العربية في نحوها وصرفها ومعجمها كما يبرز في أعمال الرواد الأوائل مثل: الدكتور عبد الرحمن أيوب، وأنيس فريحة،...."[13]، فاللسانيون العرب المحدثون (وأغلبهم درس في جامعات غربية) انبهروا بما عند الغرب، ولذلك فقد كانوا يعتقدون أنّ اللسانيات التي أتوا بها من عند هؤلاء تمثل العلم الصحيح الذي يجب أن تقاس بالنّظر إليه نتائج الدّرس اللّغوي في الأمم الأخرى، ومن أخصّها الدرس اللغوي العربي، ومن ثمة فقد جعلوا النتائج الموافقة له من العلم والتي لا توافقه مجانبة له خارجة عن حدوده (العلم)، وينبغي طرحها والتخلي عنها، وكان من نتائج هذا المنطلق الخاطئ أن كانت قراءتهم للتراث قراءة لا تتعدى التجريبية[14]، يقول طه عبد الرحمن: " كما أنه قد غلب على نقاد التراث التوسل بأدوات البحث التي اصطنعها المحدثون من مفاهيم ومناهج ونظريات، معتقدين أنهم بهذا التقليد قد استوفوا شرائط النظر العلمي الصحيح، أو لم يدروا أنه ليس كل ما نقل عن المحدثين بأولى بالثقة مما نقل عن المتقدمين، ولا كل ما نسب إلى العلم الحديث بأقرب إلى الصّواب مما نسب إلى العلم المتقدم"[15].   وهناك سبب آخر يشكّل امتدادا لهذا السبب الأخير؛ ألا وهو قلة الالتفات للجذور التأصيلية لهذه النظريات الغربية، إذ لا يكاد يحاط بالخلفيات الإبستمولوجية والتساؤلات الفلسفية التي وجهت بناء النظرية على تلك الشاكلة؛ يقول طه عبد الرحمن: "وحتى لو قدّرنا أنّ المناهج الحديثة لا يضاهيها غيرها، ولا يبطلها يسير الزمن عليها، فهل ملك هؤلاء المقلّدون ناصية تقنياتها وتفننوا في استعمالها، حتى جاز لهم أن ينقلوها إلى غير أصولها"[16] وهذا ما جعل القارئ العربي - وخصوصا في البدايات الأولى من وفود هذا العلم - غير مدرك لجوهر تلك النظريات، وكيف يمكن أن يستفيد منها في فهم لغته وهل حدث قصور في نظرية التراث يحتاج إلى ربإ وإعادة نظر؟ وإذا لم يدرك هذا فإنه لا محالة سيدعو إلى التخلي عنها ونبذها، وهذا ما حدث لولا  أن...يضاف إلى هذا أنّ هذه النظريات الغربية كانت تتسم بسمة المرحلية؛ فهي لا تلبث أن تغير الرؤى وتهدم الأصول لتظهر في ثوب جديد يشكل نظرية جديدة كما هو الحال مع البنيوية والتوليدية التحويلية، مما جعل القارئ العربي ينفر منها ولا يثق فيها.ج- السبب التراثي:     نحن نعلم أنّ التّراث الذي خلفه السلف تراث ضخم وثري ويحتاج منا إلى قراءة واعية وتمثل، الأمر الذي لم نحقّقه إلى الآن ( لعدم فهمنا للمحركات والطرائق التي كانوا يعتمدونها )، وما عندنا من دراسات حوله هو محاولات لتسليط الضوء عليه لكن بعيون غريبة[17]، إننا إذا لم نستطع استيعاب تراثنا وفهمه وقراءته، وهو القريب منا لأنه يشكل هويتنا ومرجعنا ومستندنا، فكيف يمكن أن نتجاوزه إلى بدائل غريبة، خصوصا ونحن نعلم علم اليقين أنّ هذا الغربي ما أتى بما أتى به إلا بعد قراءة تمحيصيّة نقدية لتراثه. والمنطق السليم يوجب علينا أن نقرأ ونفهم ما عندنا أولا فإذا استوعبناه أمكننا تجاوزه، وهذا التجاوز لا شك أنه يفتح آفاقا للنّظر في المناهج والنظريات اللسانية الحديثة.     يضاف إلى هذا، أنّ المنجز التراثي استطاع باقتدار أن يكون آلة موصلة لفهم دقائق النّصوص[18]، أمّا الدرس اللّساني الحديث فأغلب مادته نظرية (وحتى الأسئلة التي ينطلق منها لها تعلق بثقافة غريبة عنا) وحين تنزل إلى التطبيق فهي تتخذ من المعطيات التراثية مرجعا تعتمده وأساسا تبني عليه تحليلاتها، وهذا ما يجعل القارئ العربي يفضل ما كان له نفع تطبيقي على ما كان آراء فلسفية ما تلبث أن تفسح المجال لغيرها ليحلّ محلها، إذ لا يكفي في النّظرية أن تكون ذات بهرج فكري نظري في حين لا تكاد تنزل إلى الواقع.4- الطّرح الغالب في الواقع اللّساني العربي المعاصر:       في غياب تمثل جيد للتّراث وفهمٍ لمضامينه الفكرية ومحركاته المنهجية (وربما عدم الاقتناع بها لكونها عربية قديمة) نجد أن الكتابة الإسقاطية والكتابة التمثلية تأخذان النصيب الأوفر من الكتابات اللسانية العربية، وهناك بعض الكتابات - وإن كانت قليلة - انطلقت من تمثل لنظرية ما لكنها جعلت من التراث العربي معينا يمدها بآفاق جديدة للنظر كما هو الحال مع أحمد المتوكل في نظرية النحو الوظيفي. والشيء الإيجابي الذي يمكن التنويه به فيما يتعلق بهذه الكتابات هو أنه قد تمت العودة إلى التراث اللغوي القديم بكل معارفه وعلومه، إما بحثا عن شرعية للوجود اللساني في الذاكرة العربية، وإما بغية إخضاعه للفحص اللساني المعاصر حتى يتم تطويعه لخدمة أهداف الحداثة، لذا أصبح لزاما على كل من رام البحث في حقائق العربية واستعمالاتها اللجوء إلى الذاكرة النحوية إما على سبيل انتقاء معطيات الدراسة أو انتقاد التجربة التراثية، ولكن رغم ذلك ففي كلتا الحالتين يظل جوهر الدرس النحوي العربي مغيبا[19]، والنظرية الوحيدة - حسب اطلاعي- التي حاولت الانطلاق من التراث وصبغه بصبغة تتلاءم والعقل المعاصر هي النظرية الخليلية للدكتور عبد الرحمن الحاج صالح، يقول في هذا  الصدد: "تعرضنا في هذه الدراسة لأول مرة لتقويم النظرية اللغوية العربية التي كانت أساسا لأغلب ما يقوله سيبويه وشيوخه لاسيما الخليل وكيفية مواصلة هذه الجهود الأصيلة في الوقت الراهن. ويبدأ بوصف المبادئ المنهجية التي بنيت عليها هذه النظرية وذلك بالمقارنة بين المبادئ التي تأسست عليها اللسانيات الحديثة وخاصة البنيوية والنحو التوليدي التحويلي وبين هذه النظرية. وبذلك تظهر في نظرنا الفوارق الأساسية التي تمتاز بها كل نزعة منها بما في النظرية العربية القديمة"[20]، ويقول في موضع آخر: "فالغاية من هذا البحث هو قبل كل شيء التعريف بهذه النزعة التي تصف نفسها بأنها امتداد منتقى للآراء والنظريات التي أثبتها النحاة العرب الأولون وخاصة الخليل بن أحمد، وفي الوقت نفسه مشاركة ومساهمة للبحث اللساني في أحدث صورة وخاصة البحث المتعلق بتكنولوجيا اللغة"[21] .وقد وصف صاحب النظرية الخليلية واقع اللسانيات في العالم العربي فرأى أن ثمة اتجاها يتجاهل التراث تماما وحجتهم في هذا "أن هذه الأقوال هي آخر ما توصل إليه العلم الحديث، وأن الباحثين العرب لم يبلغوا - لقلتهم وقرب عهدهم بالبحث - مستوى الاجتهاد، فإنّ الأفكار التي تصلنا من الغرب في اللغة وظواهرها هي وليدة هذا العصر، ثم هي من جنس الأفكار التي تخص علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء وغيرها من العلوم التجريبيّة التي تقدّمت في أيامنا التقدم المعروف"[22]، وفي مقابله ثمّة اتجاه يتجاهل تماما أو إلى حدّ بعيد اللّسانيات الحديثة، ويبقى الرأي الوسط هو الحل لواقعنا، فيجب علينا أن نقرأ تراثنا ونستوعبه، ثم نضيف إليه ما هو ناقص مما نحتاج إليه (مما يخترعه العقل العربي أو توفّره له اللسانيات) وهكذا سيكون للسانيات دور التكميل لا دور التغييب.5- واقع المصطلح في ضوء هذه التّوجّهات:                                                                                        إنّ واقع المصطلح ما هو إلا تجلّ لواقع العلم منظورا فيه إلى المجتمع الذي يستعمل مفاهيمه ويتداولها، وخصوصا إذا كان لهذا العلم جذور تراثية عميقة تتقاطع في كثير من الأحيان مع ما يقدّم في الدّرس الحديث.      وقد عرضنا، سابقا، إلى أنّ الطرح الغالب في النظر إلى اللسانيات والدرس اللغوي العربي القديم، هو النظرة الإسقاطية، ومن نتائجها على المصطلح إعطاء دال المصطلح التراثي لمدلول المصطلح اللساني الغربي وذلك إذا تقاربت المفاهيم أو اتفقت (وهذا قد يحدث تغييبا سواء بالنسبة للمصطلح التراثي أو للمصطلح اللساني وخصوصا إذا كانت ثمة خصوصية من الخصوصيات التأصيلية أو المفاهيمية لأحد هذه المصطلحات) ، أما إن لم يوجد ما يقابله في التراث فإننا سنكون بصدد مصطلح جديد بمفهوم جديد (وهذا الأمر لا ضير فيه ولا ضرر)، وفي مقابل هذا إذا كان في التّراث بعض المفاهيم التي تخالف أو لا توجد في الدرس اللساني الغربي فإنه يتم تغييبها.       وسوف نعرض لبعض المصطلحات التي غيبت كلية بحجة عدم وجودها في الدرس الحديث، ولبعض المصطلحات الأخرى التي غيبت فيها الخصوصية التأصيلية، ثم نعرض في الأخير لبعض صور التكامل بين المصطلحات الوافدة والأصيلة[23].5 - 1- نماذج لمصطلحات حدث فيها تغييب:أ- مصطلحا الحركة والسكون:          ظنّ كثير من المحدثين أن تقسيم النّحاة للحروف إلى متحرك وساكن راجع إلى عدم معرفتهم وفهمهم للمصطلح اليوناني الصامت والصائت (consonant and vowel)، وأن هذه الرؤية التي تبنوها (فكرة الحركة والسّكون) لا ترقى إلى مستوى العلمية، يقول أحد الباحثين: "اعتمدت اللغة العربية على عنصر الشكل لتمثيل الأصوات الصائتة القصيرة، مما جعل علماء اللغة العرب القدماء ينظرون إليها على أنها توابع للأصوات الصامتة وليست مستقلة بذاتها"[24]، ثم فسر هذا التوجه الذي اعتمده علماء العربية على أنهم لم يلموا بنظام المقاطع، يقول: "يبدو أن عدم إلمام القدماء بنظام المقاطع الصوتية في اللغة والاضطراب في المعالجة لرموز الأصوات الصائتة، وحملهم لها على ازدواجية الوظيفة بين الصوائت الطويلة وأشباه الصوامت، وأنها حروف صامتة مشكلة بالسّكون أدّى إلى أن يضعوا موازين الشعر العربي على بنيتين اثنتين هما الحركة والسّكون"[25]، ولم يتوقف عند هذا الحد بل ذهب إلى أبعد من هذا حين وسمهم بأنهم يخلطون بين المنطوق والمكتوب، يقول: "إنّ هذا الاضطراب والتخليط أساسه الصورة المنطوقة والمكتوبة، وتأثرهم بالصورة المكتوبة ... ولعمري إنه لشديد الوهم والقلة في الاستيعاب وهم يلحقون الصوائت بالصوامت معللين ذلك بعدم استقلاليتها"[26]، وهذه الرؤية التي قدّمها هذا الباحث تعكس جلّ أنظار الباحثين اللّسانيين المحدثين، مما جعل هذا المصطلح (الحركة والسّكون) من المصطلحات المغيّبة.    ولم يحاول أحد من الدارسين المحدثين تقديم قراءة متأنية لمعرفة مدى علمية هذا المصطلح، وإدراك الأسباب التي دفعتهم إلى تبنيه رغم معرفتهم لمصطلح صامت وصائت[27]، إلا الدراسة الرائدة التي قدمها الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح في مقال بعنوان (الحركة والسّكون عند الصوتيين العرب وتكنولوجيا اللغة الحديثة)، وقد بين فيها علميتها وسبب اعتماد علماء العربية عليها دون غيرها.    إنّ المقصود بالحركة هي الحركة العضويّة التي تمكن من إخراج الحرف والانتقال منه إلى حرف آخر[28]، ومن هذا المنطلق فرّق علماء العربيّة بين جرس الحرف وصرفه؛ فجرس الحرف هو ما يدرك منه بالسمع، وهذا يخص الصوت في حدّ ذاته، وهو هويّة الحرف الصّوتيّة السّمعيّة، أمّا صرف الحرف فهو يخصّ إحداث الحرف والخروج منه إلى حرف آخر، ومن هذا المنظور وصفوا الألف اللّينة بأنه لا صرف لها[29].    إنّ نظرة علماء العربية إلى توالي الحروف تحكمها فكرة التهيؤ للنطق بالحرف التالي في الوقت الذي ينطق بما قبله، وهذا إنما يحدث أثناء النطق بالحركة؛ أي في بداية الخروج من مخرج الحرف والانتقال إلى مخرج آخر، أمّا التصور اليوناني فهو يجعل من الكلام مجرد تعاقب للعناصر الصوتية تقترن بعضها ببعض دون أن يكون هناك إدراج للحركات المحدثة لها[30]، وقد قادهم هذا الفهم إلى أنه لا يوجد مقطع دون صائت، لكن نظرة في كلمات من مثل:smrt و  trnالتشيكية، وكلمتي  tei-bl، و mu-tn الإنجليزية تجعلنا نتراجع عن تعميم هذا الحكم[31].ويذكر الحاج صالح أنّ اعتمادهم على الحركة والسكون قد مكنهم من فهم كثير من قواعد التلفظ في العربية، من مثل[32]:- لا يمكن أن ينطق بحرف متحرك وحده ولابد أن يكون متلوًا بحرف متحرك أو ساكن.- كما أنه لا يمكن أن ينطق بحرف ساكن وحده، ومن ثمة لا يمكن الابتداء بالسّاكن.- لا يلتقي ساكنان.بمصطلحا الفونيم والحرف:       عاب كثير من اللسانيين المحدثين على المتقدمين عدم تفريقهم[33] - من حيث المصطلح - بين الحرف المنطوق والحرف المكتوب، وسبب هذا هو أنّهم وجدوا في الدّرس اللّساني الغربي تفريقا واضحا بينهما، حيث وضع لكلّ نوع منهما مصطلح خاصّ به.       لكن – في رأيي- قبل توجيه الاتهام إلى أحد أو تسفيه رأيه يجب أن نطرح على أنفسنا هذا السؤال، فنقول: أفرق علماء اللغة الغربيين بين النوعين من أجل التفريق أم أنهم قد اضطروا إليه اضطرارا لسبب من الأسباب؟.     إننا إذا تتبعنا المصطلحين وفق نظرة تاريخية نجد الغربيين قد وضعوا للتفريق بينهما مصطلح lettre للدلالة على المنطوق، ومصطلح caractère للخطي أو المكتوب، ثم لمّا صارت الأولى تلتبس في الاستعمال بالثانية وضعوا مصطلحا جديدا بدل المصطلح الأول، هذا المصطلح هو phonème  بدل lettre[34]، والسبب الذي دفعهم إلى وضع مصطلحين مختلفين هو أنّ الحرف المكتوب في لغتهم يختلف في كثير من الأحيان عن الحرف المنطوق، وهذا الأمر ( الاختلاف بين المكتوب والمنطوق ) نجده ظاهرا بشكل جلي في لغات مثل الفرنسية والإنجليزية.وهناك لغات أخرى لا يفرق فيها بين المكتوب والمنطوق، فما ينطق يكتب، ولعل الفرق الوحيد بينهما هو أن أحدهما منطوق والثاني مكتوب ليس إلا.ومن ثمة يجب أن نتريث في استبدال مصطلح الحرف المنطوق بالفونيم لأنه يغيب خصوصية كلّ مصطلح، وخصوصا الغربي منه، ثم إنّ الدرس اللغوي العربي في منأى عن اعتماد مصطلح هو لا يحتاجه.جمصطلحا البنية السطحية والبنية العميقة:       شاع هذان المصطلحان في النّظريّة التّوليديّة التّحويليّة، وقد ترجمه بعضهم بالبنية المقدّرة والبنية الظّاهرة، وهناك من حاول تقديم تفسير لهذين المصطلحين في ضوء ما هو موجود عند نحاتنا من بنية تقديريّة وأخرى ظاهرة، يقول مازن الوعر: "إنّ الهدف من البنية العميقة المشجّرة هو رسم التركيب المستتر أو المخبإ للكلام العربي أو كما نعته العرب المتقدمون بالبنية المقدرة التي هي بنية تجريدية تقوم على أسس بيولوجية في الدماغ البشري على حد تعبير تشومسكي"[35]، وأرى أن هذه الترجمة وهذا التفسير (بالمنظور العربي القديم) لا يستقيم بهما فهم مراد تشومسكي من المصطلحين على وجه الدّقة؛ ذلك أنّ البنية التقديرية عند نحاتنا مبنية على الاستقراء والاستنتاج أما البنية العميقة عند تشومسكي فمبنية على الفرض والاستنباط.      إنّ البنية العميقة (في فلسفة تشومسكي) إحدى الوحدات المكوّنة للبنية الطَّبْعية التي تشكّل الملكة اللّغوية والتي هي خصيصة مطبوعة في الدّماغ البشري، ولا تتعلّم أو تكتسب بل بها ينشأ الفرد ويتكون[36]، وتكون واحدة عند جميع أفراد الجنس البشري وتعكس توحّد الفكر بين جميع المتكلّمين، ولا تعلم طبيعتها أو أنماطها ولذلك فهي مجرّد بنية افتراضية، أمّا البنية التقديريّة عند نحاتنا فهي مبنية على استقراء الكثير المطرد أو ما يعرف بأصل الجملة، وما خالف هذا المطّرد بحذف أو إضمار فإنه يلجأ لفهمه إلى التقدير الذي يظهر العناصر المغيبة، والتقدير في النحو العربي يمكن فهمه جيدا بمراعاة فكرة الأصل والفرع، فالأصل يعني الكثير المطرد، وبمجرد مخالفته سنكون بصدد الفرع الذي لابدّ من إيجاد تبرير لمخالفته.     وبناء عليه فالنظر إلى البنية العميقة والبنية السطحية بمفهوم تراثي يمكن أن يغيب الحمولة المفاهيمية التي تقصدها النّظرية التّوليديّة التّحويليّة، وخصوصا بالنّسبة للقارئ الذي لم يطّلع على أصولها وفلسفتها، لأن مرجعية كلّ منهما تختلف عن الأخرى.دمصطلح الفضلة:    يَخصّ هذا المصطلحُ في النظريّةِ النحويّةِ العربيّةِ الأبوابَ النّحويةَ (المفعول به، الحال، المفعول لأجله...) التي لا تشكّل ركني الإسناد، وفي مقابله نجد مصطلح العمدة، والتي تحيل على عنصري الإسناد اللذين لا تخلو منهما جملة من الجمل العربية كما هو مقرر عند النحاة القدماء.     وفي النظرية التوليدية التحويلية يطلق مصطلح الفضلة للإشارة إلى ما لا يقع ضمن المركب الفعلي (تخصيصا) من أنواع الفضلات كظرفي الزمان والمكان مثلا، أما ما يقع ضمن المركب الفعلي كالمفعول به فإنه لا يطلق عليه هذا المصطلح، لأن المفعول به في الدرس التحويلي التشومسكي يعني التكملة الفعلية، التي تعد جزءا من خصائص الفعل المقولية[37]، أو بعبارة الوظيفيين تعدّ من الحدود التي يفرض عليها المحمول قيود انتقائه، لأنه لا يمكن أن تتحقق الواقعة إلا بها[38].   ومن ثمة فترجمة ما يعرف بـ:verbal complement  بالفضلة، باعتبار أنّ مفهومها يقارب المفهوم التراثي يؤدي لا محالة إلى تغييب لهذا المصطلح ( إذ يغيب المفهوم الذي أراده له تشومسكي )، أو تحميل دلالة له هو لا يحتملها ( وهي هنا موجهة من الخصوص إلى العموم ).هـالمستوى النحوي:         وقد يؤدي عدم الإلمام بمفاهيم المصطلحات في النظرية الواحدة إلى تغييب بعضها على حساب بعضها الآخر إذا لم يحسن المترجم النظر والتدقيق واستيعاب مفاهيم النظرية المترجمة، ومثال ذلك ترجمة مصطلح syntax في النظرية التوليدية التحويلية بكلمة (نحو)؛ ذكر د/ محمد فتيح أن ترجمة المصطلح  syntax والصفة المشتقة منه (في النظرية التوليدية التحويلية) بكلمتي (نحو) و(نحوي) يؤدي إلى تغييب المفهوم الذي نسبه له تشومسكي، "والسبب أن كلمة (نحو) تشير في إطار التفكير التشومسكي إلى قواعد اللغة برمتها: الأصواتية والصرفية والتركيبية والدلالية"[39]، وتجنبا لهذا التغييب الذي يمكن أن تحدثه هاته الترجمة يفضل ترجمته بالتركيب والمستوى التركيبيأمّا في النظرية النحوية العربية فالنظر إلى اللغة وفق مستويات تكاد تكون مغيبة، ولذلك تجد أن مصطلح النحو عند الرواد الأوائل (سيبويه، المبرد، ابن السراج...) يشمل دراسة اللغة بجميع مستوياتها، ورغم أنّ جل المستويات فيها قد اتضحت فيما بعد، إلا أن مصطلح علم النحو صار موضوعه عند المتأخرين مساويا لعلم التراكيب عند المحدثين؛ يقول محمد الخضر حسين: "إذا ألقينا نظرة على علم النحو وجدناه يبحث عن أحوال الجمل والمفردات من حيث وقوعها في التركيب، أو عن الأحوال التي يكون بها التركيب مطابقا للمعاني الوصفية الأصلية"[40]وجمعا بين رأي المتأخرين والمحدثين يُحبّذ أن ينظر إلى مصطلح (نحو) نظرة عامة، ويخصص مصطلح التركيب أو التراكيب للعلم الذي يدرس مستوى الجملة وكيفية تعالق وحداتها ومختلف الأنماط التي تكون عليها، وهذا - كما أظنّ - لا يؤدّي إلى أدنى تغييب.
5 - 2- نماذج لصور التّكامل بين المصطلحات:    قبل أن نعرض لبعض النّماذج التي يمكن أن تقدّم لنا لمحة عن صور التّكامل بين المصطلحات اللّسانية الحديثة والمصطلحات اللّغوية التّراثية يجدر بنا أن ننبّه إلى أنّه من غير العلمي ولا المنطقي ادّعاء أنّ الفكر اللغوي العربي فكر كامل وناضج بشكل لا يُحتاج فيه إلى زيادة مستزيد؛ ذلك أنه إذا كان كاملا على مستوى المعطيات والمبادئ الإجرائية والتأصيليّة فإنه لن يكون كاملا - على الأقل- إذا ما نُظر فيه إلى المتلقي المتغيّر مع تغير الزمن، هذا المتلقي الذي يطلب زيادة في التوضيح لبعض المفاهيم التي كانت واضحة عند المتقدمين، بل ويحتاج كذلك إلى مصطلحات مخصوصة تضبط له تلك المفاهيم.    كما أنه من المعلوم أنّ العلوم تنبني في جوهرها على التّراكميّة ممّا يؤدّي قطعا إلى التّطرّق إلى مفاهيم لم يتطرّق إليها علماء التّراث، وهذا يوجب علينا كذلك تبنّيها وإغناء النّظرية العربية بها. والمهمّ والأساس هو أن يتمّ الانطلاق من النّظرية النّحوية العربيّة والمحافظة على كيانها وجوهرها، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية التّطعيم أو التّعديل أو التّبديل متى توفرت الدواعي والأسباب العلمية الداعية إلى ذلك.    وسوف نأتي على ذكر مجموعة من المصطلحات بعضها يجب إضافته إلى المنظومة التّراثيّة وإغناؤها به (من ذلك مصطلح التنغيم، وبعض المصطلحات المتعلقة بالوظائف الدلالية والتداولية كالمتقبل والمنفذ... والبؤرة والذيل، والمحور...)، وبعضها الآخر لابدّ من استعماله بدل المصطلح التّراثي كونه أدقّ منه (من ذلك مصطلح الحنجرة بدل أقصى الحلق، وهناك بعض المصطلحات الصوتية المتعلقة بتحديد بعض مخارج الحروف العربية كالفاء مثلا فهي شفوية أسنانية وليست شفويّة خالصة...).أ‌-       مصطلح الحنجرة:    لم يرد ذكر الحنجرة عند المتقدمين من علماء العربية؛ ذلك أنّهم لم يقوموا بعمليّة تشريح تؤهّلهم لمعرفتها وإدراك وظيفتها ودورها[41]، إلا أن اللساني عبد الرحمن الحاج صالح  يرجع سبب عدم استعمال الخليل وسيبويه للفظ الحنجرة إلى اختلاف معاني هذه الكلمة في زمانهم "فهي تارة طبقان من أطباق الحلقوم مما يلي الغلصمة (وهذه هي الـ Epiglottis) أو رأس الغلصمة حيث يحدّد، وقيل هي جوف الحلقوم (اللسان). واستقر معناها عند الأطبّاء العرب بعد أن اختارها حنين بن إسحاق (أي بعد زمان الخليل وسيبويه) لترجمة كلمة Larynx التي وردت في كتاب جالينوس. وترجم كلمة Glottis ترجمة حرفيّة؛ ألا وهي لسان المزمار"[42]، ومنطلقه في هذا هو أن أقصى الحلق أو أعلى الصدر هو الحنجرة ذاتها؛ يقول: "أما أقصى الحلق فهو مستوى الحنجرة تماما والدليل على ذلك:أ‌-       إحلال سيبويه والخليل مخرج الهمزة في أقصى الحلقب‌-   وقوله من جهة أخرى إن الهمزة نبرة في الصدرت‌-   وقوله: هذه الحروف غير مهموسات وهي حروف مدّ ولين فإذا وقفت عندها... فيهوي الصّوت... حتّى ينقطع آخره  في موضع الهمزة..."[43]نعم، إنّ النّحاة العرب المتقدّمين كانوا جدَّ دقِيقِين في وصف مخرج الهمزة موضعيا، أمّا أنّهم عرفوا الحنجرة  وعرفوا ما هي، أو ما وظيفتها، فهذا أمر لم يحدث إلا مع الأطباء العرب الذين قاموا بعملية تشريحية كابن سينا وغيره.والحديث عن الحنجرة - كما هو معلوم عند الدارسين - هو حديث عن أهمّ جزء فيها وهو الحبلان الصوتيان اللذان تنتج اعتمادا على حركتهما أو عدمها صفتا الجهر والهمس؛ فالحرف المجهور هو الحرف الذي يحدث أثناء النطق به اضطراب في الحبلين الصوتين، وفي مقابله المهموس هو الذي لا يحدث معه اضطراب للحبلين الصوتيين، هذا ما يورده المحدثون، أمّا المتقدّمون فيذكر الحاج صالح أنّهم فرّقوا بين المجهور والمهموس اعتمادا على صوت الصّدر وعدمه، فالحروف التي يخرج معها صوت الصّدر هي المجهورة أمّا التي لا يخالطها صوت الصدر فهي مهموسة[44].لكن حين نمعن النظر في تعريف سيبويه لكلّ من المجهور والمهموس، وتعليق شارحه السّيرافي عن سبب اختياره لمصطلح المجهور والمهموس يجعلنا لا نفرق بين المهموس والمجهور عند النّحاة العرب على صوت الصّدر فقط، بل يجب أن نضيف إليه بروز الصوت وظهوره؛ يقول السّيرافي: "سمّى سيبويه هذه الحروف مجهورة لما فيها من إشباع الاعتماد المانع من جري النفس معه عند الترديد لأنّ قوة الصوت باقية، أخذه سيبويه من الجهر، وسمى الحروف الأخرى مهموسة لأن الهمس الصوت الخفي فلضعف الاعتماد فيها وجري النفس مع ترديد الحرف تضعف"[45]، بل يمكننا أن نذهب إلى أكثر من هذا فنقول إنه ربما كانت مراعاة هذه السّمة الأخيرة (قوّة الصوت وضعفه) وحدها هي المميز بين المجهور والمهموس، ولذلك نجدهم قد جعلوا الـ(ق، ط) من الحروف المجهورة لا المهموسة، يقول السيرافي نقلا عن أبي إسحاق: "معنى جهرت أعلنت وأظهرت وكشفت، ومعنى همست أخفيت، فليس في الطاقة حرف يمتنع من أن يجهر به، وفي الحروف ما لا ينطق به إلا مجهورا وهي التسعة عشر حرفا فمتى رمت أن تنطق بشيء منها لم يتهيأ لك أن تأتي به خفيا، فرم ذلك في العين والقاف والطاء والدال، فإنه يمتنع ولا يسمع إلا مجهورا..."[46]ومن ثمّة فاستعمال مصطلح الحنجرة لا يلغي شيئا من الدّرس الصّوتيّ العربيّ بل بالعكس من ذلك، فهو يعكس مفهوما أكثر دقّة (من النّاحية العلميّة على الأقلّ)، ورغم وعي كثير بهذا إلا أننا نجد كثيرا من دارسي علم التجويد لا يعبؤون بهذه الأمور ولا يولونها أدنى اهتمام.ب -  مصطلح التنغيم:       رغم أنّ علماء العربيّة المتقدّمين كانوا واعين بأهميّة التّلوينات الصّوتية التي تلحق الكلام، من حيث إنّ لها دورا تمييزيّا بين مختلف الأساليب (الخبر التّقريري، أو التّهكمي، الاستفهام الإنكاري، التّوبيخي ...)، ولكن رغم هذا الوعي لم يخصّصوا لهذه التّلوينات مصطلحا خاصّا يميّزها كما أنّهم لم يولوها الاهتمام الكافي من المدارسة والمعالجة، بل جلّ ما نجده عندهم هو التّنبيه إلى أهميّتها تنبيها عارضا بعدّها عنصرا من عناصر السّياق التي تسهم في فهم المقصود وضبط بنية التركيب الذي قيلت فيه، يدلك على هذا حديث ابن جني عنها في باب الحذف، حيث جعل تلك التلوينات الصوتية دليلا على المقصود؛ يقول رحمه الله: "وقد حذفت الصفة ودلت الحال عليها. وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: (سير عليه ليل)، وهم يريدون: (ليل طويل). وكأن هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دل من الحال على موضعها. وذلك أنك تحس في كلام القائل لذلك من التطويح والتّطريح والتّفخيم والتّعظيم ما يقوم مقام قوله: طويل أو نحو ذلك. وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته. وذلك أن تكون في مدح إنسان والثناء عليه فتقول: (كان والله رجلا !) فتزيد في قوة اللفظ بـ(الله) هذه الكلمة، وتتمكّن في تمطيط اللام وإطالة الصّوت بها وعليها؛ أي: رجلا فاضلا أو شجاعا أو كريما أو نحو ذلك. وكذلك تقول: سألناه فوجدناه إنسانا! وتمكن الصوت بـ(إنسان) وتفخمه، فتستغني بذلك عن وصفه بقولك: إنسانا سمحا أو جوادا أو نحو ذلك. وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق قلت: سألناه وكان إنساناوتزوي وجهك وتقطبه، فيغني ذلك عن قولك: إنسانا لئيما أو لحزا أو مبخلا أو نحو ذلك. فعلى هذا وما يجري مجراه تحذف الصفة. فأمّا إن عُرّيت من الدّلالة عليها من اللفظ أو من الحال فإنّ حذفها لا يجوز"[47]، فنلاحظ كيف جعل من كيفية نطق المتكلم بالجملة مع ملابسات مقامية أخرى دليلا على حذف الصفة المقصودة (مدحا أو ذما)."ومن هنا نقرر أنّ التنغيم بوصفه ظاهرة صوتية مهمة في عملية الفهم والإفهام وتنميط الجمل إلى أجناسها النحوية والدلالية المختلفة كان مستقرا أمره في وعي علماء العربية وإن لم يأتوا فيه بدراسة نظرية شاملة تحدد كنهه وطبيعته ودرجاته"[48]، ولذلك فمن الضروري جدا إغناء المنظومة المصطلحية التراثية بمصطلح التنغيم الذي وإن وعى القدماء مفهومه وأهميته إلا أنه، بعدم تخصيص دراسة له، صار في حكم المغيب الذي لا بد من إعادة بعثه، وفي هذا تكميل أيّما تكميل.ت - بعض المصطلحات المتعلقة بتحديد المخرج: من ذلك مثلا مخرج (ظ، ذ، ث) التي وصفها الخليل بأنّها لثوية ولا علاقة للثة بإنجازها، لذلك يجدر بنا استبدالها بما ذهب إليه اللسانيون المحدثون، حيث وصفوها بأنها أسنانية، وكذلك الأمر مع مخرج الفاء التي يصفها كثير من المتقدمين بأنها شفوية (الخليل ومن تبعه)، والحق أنها ليس شفوية خالصة، بل شفوية أسنانية، ولذلك أخرجها سيبويه من جملة الأصوات الشفوية الخالصة، وهو الأمر الذي أكده اللسانيون المحدثون، فينبغي اسبدال وصف مخرج هذا الحرف[49].

ث - مصطلح الوظائف الدّلاليّة والتّداوليّة: من المصطلحات التي يجب أن نغني بها المنظومة المصطلحيّة التّراثيّة المصطلحات الدّالة على الوظائف الدّلاليّة والتّداوليّة، ونجد أنّ هذه الأخيرة قد بُحثت بحثا دقيقا ومعمقا في نظريّة النّحو الوظيفي[50]؛ هذه النظريّة تسعى إلى بناء نحو يعكس الكفاية التّواصلية لدى مستعملي اللغة، ومن ثمة فهي تختلف عن النظريات غير الوظيفية في:1-    نظرتها إلى اللغة: حيث ترى فيها وسيلة للتواصل الاجتماعي؛ أي نسقا رمزيا يؤدي مجموعة من الوظائف أهمها وظيفة التواصل.2-    أنها ترى أنّ بنية اللغات الطبيعية لا يمكن أن ترصد خصائصها إلا إذا ربطت هذه البنية بوظيفة التواصل.3-    ومن ثمة فقدرة (المتكلم / السامع) قدرة تواصلية تشمل إلى جانب القواعد الصوتية والتركيبية والدلالية، القواعد التداولية.4-    ولذلك فهم يفردون في النموذج المصوغ لوصف اللغات مستوى يضطلع بالتمثيل للخصائص التداولية (خاصية الاقتضاء والتبئير، خاصية القوى الإنجازية...)[51].ث- 1- الوظائف الدلالية:      لفهم هذه الوظائف يجب أن نعلم أنّ هذه النّظريّة تنطلق من دراسة متطّلبات المحمول، تحت ما يعرف بالبنية الحمليّة؛ فكلّ محمول له مقولته التّركيبيّة الخاصّة به (فعل، اسم، صفة، ظرف)، ولكي يتحقّق هذا المحمول فإنّه يطلب عددا من الحدود التي تسهم في تحقيقه (المحمول + الحدود الضرورية = الحمل النووي)، وقد تضاف إلى الحمل النووي حدود أخرى غير ضرورية بحسب ما يراد تبليغه (زمان، مكان، علة، حائل...) فيصبح حملا موسعا (حمل نووي + حدودا غير ضرورية = حملا موسعا).كلّ حدّ من تلك الحدود يحمل وظيفة دلاليّة معيّنة تحدّدها علاقته بذلك المحمول؛ فقد يكون منفّذا أو متقبّلا أو مستقبلا أو علّة ...للتّوضيح أكثر نأخذ المحمول (شرب) فلتحقيق هذا المحمول يجب توفر كائن حي يقوم بعملية الشرب (منفذ)، كما يتطلب وجود سائل يشرب (متقبل)، ويمكن صياغتها رياضيا كما يلي:شرب ف (س1: حي (س1)) منف (س2: سائل (س2)) متق، وبعد تغيير الحدود بمعلوم يصير لدينا:شرب ف (س1: زيد (س1)) منف (س2: عصير (س2)) متق.ويمكن أن نضيف إليه حدودا أخرى فيصير:شرب ف (س1: زيد (س1)) منف (س2: عصير (س2)) متق (س3: يوم (س3)) زم (س4: مقهى (س4)) مك ....هذه الوظائف الدلالية التي تحتفي بذكرها نظرية النحو الوظيفي لا تتعارض مع مختلف الوظائف التركيبية في النظرية النحوية العربية، كوظيفة المفعول معه، والمفعول فيه والحال، ... ، فمختلف هذه الأبواب النحوية تعكس وظائف دلاليةولتحقيق تكامل يجب المحافظة على مختلف مصطلحات الأبواب النحوية القديمة الدالة على وظائف دلالية مع التنبيه إلى أنها وظائف دلالية، ثم إضافة ما ينقص أو يحتاج إلى بيان، فمثلا (وظيفة المنفذ، والمتقبل، والمستفيد، والمستقبل) لا نجد لها ذكرا ضمن مصطلحات النحو العربي، فيجب إضافتها لما لها من دور توضيحي.لتوضيح هذا الأمر جيّدا نأخذ الجملتين التّاليتين: 1- أكل أحمد تفاحة                                                2- مات زيد.فنحن حين نعرب الاسمين (أحمد) و (زيد) نقول إنهما فاعل للفعل أكل ومات على التوالي، مصطلح (فاعل) ألبس على كثير من المتعلمين، لأنهم انطلقوا من مدلول كلمة (فاعل) لغة (وهو الذي قام بالفعل)، فإذا كان (أحمد) هو الذي قام بفعل الأكل، فإن (زيد) في المثال الثاني لم يقم بفعل الموت.إزالة هذا الإشكال تعتمد على إضافة الوظائف الدلالية للإعراب، ولكن علينا قبل هذا أن نفهم أن الفاعل وظيفة تركيبية (أساسها الإسناد) لا وظيفة دلالية، فيكون كل من (أحمد) و(زيد) فاعل باعتبار الوظيفة التركيبية، أما دلاليا فـ(أحمد) منفذ، أما (زيد) فمتقبل.ولذلك حين نعرب( أحمد) نقول: فاعل منفذ...، وحين نعرب (زيد) نقول إنه: فاعل متقبل... وبهذه الإضافة المكملة يزول الإشكال وتتضح الرؤية جيدا.ث- 2- الوظائف التداولية:   إذا كانت الوظائف الدّلالية علاقات دلاليّة تربط حدود المحمول بالمحمول، فإنّ الوظائف التداولية علاقات تقوم بين مكونات الجملة على أساس البنية الإخبارية المرتبطة بالمقام؛ بعبارة أخرى تسند هذه العلاقات إلى المكونات حسب المعلومات الإخبارية التي تحملها، وطبقا للطبقات المقاميّة التي من الممكن أن تنجز فيها الجملة[52]، فهذه الوظائف مرتبطة أشد الارتباط بالمقام.تنحصر الوظائف التداولية عند الوظيفيّين في خمس وظائف، وتقسّم بالنظر إلى وضعها بالنسبة للحمل قسمين: وظائف خارجية وأخرى داخلية؛ والذي يضبط فكرة داخليتها أو خارجيتها هو خضوعها أو عدم خضوعها لقيود الانتقاء التي يضعها المحمول بالنسبة لموضوعاته (حدوده)[53].- الوظائف الخارجية هي: المبتدأ، المنادي، الذيل.- الوظائف الداخلية هي: البؤرة، المحور.وسنعرض لكل وظيفة تداولية على حدة، ثم نبين أهمية إضافتها إلى المنظومة النحوية العربية كمفهوم وكمصطلح.ث-2-1الوظائف التداولية الخارجية:1- المبتدأ: في النّحو الوظيفيّ هو المكوّن الذي يدلّ على مجال الخطاب الذي يعدّ الحمل الموالي واردا بالنّسبة إليه[54]، وهو وظيفة تداوليّة لأنّ تحديدها لا يمكن أن يتمّ إلا انطلاقا من الوضع التّخابري القائم بين المتكلّم والمخاطب في طبقة مقامية معينة؛ حيث إنه لابدّ أن يكون من ضمن المعارف المشتركة بين المتكلم والمخاطب حول العالم الخارجي. ولذلك اشترط فيه أن يكون محيلا؛ أي أن يكون المخاطَب قادرا على التعرف عليه.وإلى جانب إحاليته يشترط فيه:-         أن يتصدر الحمل-         أن يأتي بعده حمل (يساوي الجملة) لا محمول فقط-         أن يكون عنصرا خارجيا عن الحمل (يتحقق الحمل دون احتياج لذكره)[55].وإذا اختل شرط من هذه الشروط فإنه لا يعدّ مبتدأ عند الوظيفيين، فمثلا: (عندي كتاب)، و(زيد منطلق)لا يعد (كتاب) و(زيد) مبتدأين (خلافا للنّحو العربي)؛ لاختلال شرط التّصدر، وعدم ورود حمل بعده.أمّا في النّحو العربي فتحديده مقيّد بنظرة عامليّة، لكنه يتقاطع مع المنظور الوظيفي في الصدارة (فما سمي مبتدأ إلا لأنه بدئ الكلام به)، وفي الإحالية (أي أن يكون معرفة[56])، وإن لم يكن هذان القيدان على إطلاقها، فقد لا يتصدر، وقد يكون نكرة ومع هذا يعد عند النحاة المتقدمين مبتدأ مثل: (عندي كتاب).ونظرا لوجاهة الطّرح الذي يقدمه النحو الوظيفي، وتقاطع النحو العربي في جزء منه معه، وطلبا لدقة أكبر أقترح أن يضاف إلى مصطلح المبتدإ الذي توفرت فيه الشروط السابقة التي يفرضها النحو الوظيفي مصطلح موضح هو (تداولي)، ومن ثمة يمكننا التفريق بين مبتدإ تداولي، ومبتدإ غير تداولي، ولا تلغي هذه الإضافة - في اعتقادي- فكرة العامل، أو تقوض شيئا مما قاله المتقدمون.2- الذيل: في نظرية النحو الوظيفي هو: المكون الذي يوضح أو يعدل أو يصحح معلومة واردة في الحمل[57]، ويشكل الذيل وظيفة تداولية لتعلقه بالوضع التخابري بين المتكلم والمخاطَب؛ حيث يعطي المتكلم المعلومة (م) ثم يلاحظ أنّ المخاطَب لم يفهم المقصود، أو أنّ المعلومة المعطاة ليست هي المعلومة المقصودة، فيضيف معلومة أخرى (م1) توضّح أو تعدّل أو تصحّح.ويشترط فيه ما يلي[58]:-         أن يكون محيلا ( يستثنى من هذا ذيلا التعديل والتصحيح )-         أن يكون مسبوقا بحمل-         أن يكون في ذلك الحمل السابق ضمير يعود على ذلك الذيل-         أن يكون بعد الحمل لا قبله.وما يوافق الذيل في التراث بابان من ثلاثة ذكرها المتوكل في كتابه الوظائف التداولية[59]؛ هما باب البدل وباب الإضراب بـ(بل)، وتختلف نظرة النحاة العرب عن نظرة الوظيفيين في المبتدإ المؤخر مثل: (جاء أبوه زيد[60]) فالوظيفيون يعدونه ذيلا أما النحاة فيعدونه مبتدأ مؤخرا.وتحقيق جمع بين هذه المفاهيم والمصطلحات من الصعوبة بمكان، ولذلك أقترح اقتراحا يقبل النقض متى وجد ما هو أحسن منه:-         أقترح إضافة مصطلح ذيل إلى البدل فنقول: (بدل ذيل)، حيث إنّ مصطلح بدل تنبيه للعلاقة العاملية، ومصطلح ذيل تنبيه للعلاقة التداوليّة.-         أمّا في باب الإضراب فمصطلح الإضراب يحيل بذاته على أنّه وظيفة تداوليّة، أحسن من إحالة مصطلح ذيل عليه (والوظفيون يحبذون جمعه تحت مصطلح واحد يجمعها).-         أمّا في باب المبتدإ المؤخر فما ذهب إليه الوظيفيون فيه وجاهة، ولذلك أقترح أن يقال: (مبتدأ ذيل) أي أنّه جاء ليوضح ما قد يؤدي إلى لبس، كما قلنا سابقا (مبتدأ تداولي).3- المنادى: وظيفة تداولية تسند إلى المكون الدال على العنصر المنادى في مقام معين[61]، ويتفق الوظيفيون مع النحاة العرب القدماء في هذه الوظيفة، إلا أنّ الوظيفيّين يدرجون ضمن هذه الوظيفة المنادى والمندوب والمستغاث (طلبا للاقتصاد)، خلافا للنحاة العرب الذين يجعلون كلّ نوع قسما خاصا إلا أنهم يقررون أنه نوع من النداء.وبما أنه لا فرق بينهما فالأجدر بنا أن نحافظ على المصطلحات التراثية (المنادى، المستغاث، المندوب) كما هي مع التنبيه إلى تداوليتها.ث-2-2الوظائف التّداولية الدّاخليّةوتشمل وظيفتين تداوليتين هما (البؤرة) و(المحور).1-    وظيفة البؤرة: البؤرة هي المكون الحامل للمعلومة الأكثر أهمية والأكثر بروزا في الجملة[62]، ويميز فيها بين نوعين من أنواع البؤرة، هما بؤرة جديد وبؤرة مقابلة.-         نقول عن مكون ما إنه يحمل بؤرة جديد إذا كان يشكّل داخل الحمل المعلومة التي يجهلها المخاطب، أو المعلومة التي لا تدخل في القاسم الإخباري المشترك بين المتكلّم والمخاطب[63].-         ونقول عن مكون ما إنّه يحمل بؤرة مقابلة إذا كان يشكّل داخل الحمل المعلومة التي يشكّك المخاطب في ورودها أو ينكرها أصلا.في المنظومة التراثية لا نجد ذكرا لهذه المصطلحات لكنّ مفاهيمها موجودة (وخصوصا في أبواب علم المعاني)، فبؤرة المقابلة يقابلها التخصيص أو الحصر أو العناية...، وبؤرة جديد يقابلها الخبر الابتدائي. ولكن هاته المصطلحات التي يستعملها علماء التراث فيها عمومية وتحتاج إلى تدقيق وضبط، وهو ما توفره هاته المصطلحات التي تقدمها نظرية النحو الوظيفي.نأخذ مثالا توضيحيا: 1- جاء زيد باسما                     2- زيدا ضرب عمرو.كما هو معلوم نعرب (باسما): حال (وهذه وظيفته الدلالية)، ولتوضيح أكثر وأنها تشكل المعلومة التي يجهلها المخاطب نضيف إليها: بؤرة جديد.وفي المقابل نعرب (زيدا) مفعول به (وظيفته الدلالية هنا هي أنه متقبل لفعل الضرب)، وبما أنه يمثل المعلومة التي يشكك المخاطب في ورودها أو ينكرها يجدر بنا أن نضيف إلى الإعراب السابق: بؤرة مقابلة[64].2-    وظيفة المحورتسند هذه الوظيفة إلى المكوّن الدالّ على ما يشكّل المحدّث عنه داخل الحمل[65]، وقيد (المحدث عنه) يشترك فيه مع المبتدإ، إلا أنّ أحدهما داخل الحمل والآخر خارجه.لا يشترط في المحور قيد الإحالة.ويحتلّ مواقع متعدّدة فيمكن أن يحلّ في موقع الفاعل (مثل: رجع زيد البارحة)، أو المفعول (مثل: قتل الخارجي زيد)، أو المفعول فيه (مثل: رجع البارحة زيد)، أو المبتدإ (مثلزيد منطلق)....في التراث العربي لا ينبّه إلى وظيفة المحور إلا حين يقدّم ما حقّه التأخير كتقديم المفعول على فاعله، يقول فاضل السامرائي: "إن مدار تقديم المفعول على الفاعل في اللغة إنما يدور على الاهتمام والعناية"[66]، ويشرح عبد القاهر هذه القضية جيدا فيقول: "وقال النحويون: إن معنى ذلك أنه قد يكون من أغراض الناس في فعل ما أن يقع بإنسان بعينه، ولا يبالون من أوقعه، كمثل ما يعلم من حالهم في حال الخارجيّ يخرج فيعيث ويفسد، ويكثر به الأذى، أنهم يريدون قتله، ولا يبالون من كان القتل منه، ولا يعنيهم منه شيء. فإذا قتل، وأراد مريد الإخبار بذلك، فإنه يقدم ذكر الخارجي فيقول: (قتل الخارجي زيد)، ولا يقول: (قتل زيد الخارجي)"[67].ونظرا لتعميمها عند الوظيفيين وأهميتها يجدر بنا إدراجها مع مصطلحات التراث، فنقول مثلا في: (زيد منطلق) (زيد): مبتدأ محور. ونقول في مثل: (ضرب زيدا عمرو) (زيدا): مفعول به محور... تنبيها على أنه المحدث عنه داخل الحمل.6- خاتمة:         خلص البحث إلى مجموعة نتائج يمكن إيجازها في النّقاط التّالية:1-    اللّسانيات علم شموليّ موضوعه اللّغة البشريّة دون تمييز أو تقديم لغة نوعية على أخرى، ولا يهمّها من اكتشف مبادئها أو نبه على خصائص موضوعها.2-    لا تعارض بين اللسانيات وبين المنجز اللغوي العربي القديم، إلا في أنّ أحدهما عامّ والآخر خاصّ.3-    هناك عدة أسباب للنفور من اللّسانيات في الأوساط العربية بعضها تأسيسي وبعضها استقبالي، وبعضها متعلق بالتراث.4-    الكتابة اللسانية الغالبة في أوساط اللغويين العرب المحدثين هي الكتابة الإسقاطية والتمثلية.5-    من أسباب تغييب المصطلح إعطاء دال المصطلح التراثي لمدلول المصطلح الغربي، أو عدم الالتفات إلى بعض المفاهيم التراثية لعدم وجود مقابل لها في الدرس اللساني الحديث6-    مصطلح الحركة والسّكون من المصطلحات العلمية، ولا مسوغ لإقصائهما.7-    لا مسوغ لاستبدال مصطلح الحرف بالفونيم، لأن إطلاق الحرف عند المتقدمين على المكتوب والمنطوق مرهون بعدم اللبس ولا لبس، بخلاف ما هو عند الغربيين.8-    البنية العميقة في النّظرية التوليديّة التّحويليّة لا يمكن بحال فهمها بمدلول البنية التقديرية عند النحاة العرب لاختلاف جهتي النظر.9-    استعمال مصطلح الحنجرة أدق من استعمال مصطلح أقصى الحلق.10- ضرورة إضافة مصطلح التنغيم إلى المنظومة التراثية ، لأنه حقيقة علمية ولا يوجد لها مقابل فيها.11- إضافة الوظائف الدلالية تجعلنا نفهم فهما دقيقا دلالة الأبواب النحوية التراثية.12- أما إضافة الوظائف التداولية فتسهل علينا ربط بنية الجملة بحسب المقام الذي أنجزت فيه.       البيبليوغرافيا:1.     أحمد المتوكل، اللسانيات الوظيفية (مدخل نظري)، (المغرب: منشورات عكاظ، 1989).2.                ، الوظائف التداولية في اللغة العربية، (المغرب: دار الثقافة، ط1، 1985).3.     بهاء الدين ابن عقيل (769هـ)، شرح ابن عقيل، ومعه كتاب: منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل، لمحي الدين عبد الحميد، (مصر: دار إحياء التراث العربي، ط2).4.     الحسن بن عبد الله أبو سعيد السيرافي (ت 368هـ)، شرح كتاب سيبويه، تح: أحمد حسن مهدلي، وعلي سيد علي، (لبنان: دار الكتب العلمية، المجلد5، ط1، 2008).5.     حسن خميس الملخ، اللسانيات في الثقافة العربية الحديثة، (مقال مأخوذ من شبكة الإنترنيتwww.aljabriabed.net/n96_07khamis.htm).6.     طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، (المغرب: المركز الثقافي العربي، ط3، 2007).7.     يحي بعيطيش (النحو العربي بين التعصير والتيسير) ضمن أعمال ندوة تيسير النحو، (الجزائر: منشورات المجلس الأعلى للغة العربية، 2001).8.     كمال بشر، علم الأصوات، (مصر: دار غريب، 2000).9.     محمد الأوراغي، الوسائط اللغوية (1- أفول اللسانيات الكلية)، (المغرب: دار الأمان، ط1، 2001).10.  مازن الوعر، قضايا أساسية في علم اللسانيات الحديث، مدخل، (لبنان: طلاسدار، ط1، 1988)، ص.126.11.  نوام تشومسكي، المعرفة اللغوية طبيعتها وأصولها واستخداماتها، ترجمة: محمد فتيح، (مصر: دار الفكر العربي، ط1، 1993).12.  عبد الجليل مرتاض، في مناهج البحث اللغوي، (الجزائر: دار القصبة للنشر، 2003).13.   عبد السلام المسدي، مباحث تأسيسية في اللسانيات، (تونس: مطبعة كويتيب، 1997).14.                      ، التفكير اللساني في الحضارة العربية، (تونس: الدار العربية للكتاب، ط2، 1986).15.  عبد السميع خميس العرابيد، مخرج الحرف بين السلف والخلف، (العربية السعودية: مجلة الجامعة الإسلامية (سلسلة الدراسات الشرعية)، المجلد 13، العدد الثاني، يونيو 2005).16.  عبد القادر عبد الجليل، الأصوات اللغوية، (الأردن: دار صفاء، ط1، 1998).17.                        ، علم اللسانيات الحديثة، نظم التحكم وقواعد البيانات، (الأردن: دار صفاء، ط1، 2002).18.  عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تح: محمود شاكر، (جدة: دار المدني، ط3، 1992)19.  عبد الرحمن بودرع، الأساس المعرفي للغويات العربية، (المغرب: منشورات نادي الكتاب لكلية الآداب بتطوان، ط1، 2000).20.  عبد الرحمن الحاج صالح، بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، (الجزائر: موفم للنشر، ج1، 2007).21.                           ، بحوث ودراسات في علوم اللسان، (الجزائرموفم للنشر، 2007).
22.  عز الدين المجدوب، المنوال النحوي العربي، (تونس: دار محمد علي الحامي، كلية الآداب سوسة، ط1، 1998).23.  علي أبو المكارم، المدخل إلى دراسة النحو العربي، (مصر: دار غريب، ط1، 2007).24.  عثمان بن جني أبو الفتح ، الخصائص، تح: عبد الحكيم بن محمد، (مصر: المكتبة التوفيقية، ج2).25.  عثمان بن الحاجب، كتاب أمالي ابن الحاجب، تح: فخر صالح سليمان قدراه، (الأردن: دار عمار، ولبنان: دار الجيل، ج2، 1989).26.  فؤاد بوعلي، الدرس النحوي في الخطاب اللساني المعاصر، (مجلة علوم إنسانية، السنة الرابعة، العدد 30، سبتمبر 2006).27.  فاضل صالح السامرائي، معاني النحو، (الأردن: دار الفكر، ط3، 2008، المجلد 2).28.  فردينان دو سوسير، دروس في الألسنية العامة، ترجمة: صالح القرمادي وآخرين، (تونس: الدار العربية للكتاب، 1985).29.  خالد اليعبودي، آليات توليد المصطلحات وبناء المعاجم اللسانية الثنائية والمتعددة اللغات، (المغرب: دار ما بعد الحداثة، 2006).



[1] - عبد السلام المسدي، مباحث تأسيسية في اللسانيات، (تونس: مطبعة كويتيب، 1997)، ص.52.[2] - عبد الرحمن بودرع، الأساس المعرفي للغويات العربية، (المغرب: منشورات نادي الكتاب لكلية الآداب بتطوان، ط1، 2000)، ص.14.
[3] عبد الرحمن بودرع، الأساس المعرفي للغويات العربية، ص.15.[4] - ينظر: خالد اليعبودي، آليات توليد المصطلحات وبناء المعاجم اللسانية الثنائية والمتعددة اللغات، (المغرب: دار ما بعد الحداثة، 2006) ، ص.15.
[5] - عبد القادر عبد الجليل، علم اللسانيات الحديثة، نظم التحكم وقواعد البيانات، (الأردن: دار صفاء، ط1، 2002)، ص.106.
[6] - عبد السلام المسدي، التفكير اللساني في الحضارة العربية، (تونس: الدار العربية للكتاب، ط2، 1986)، ص ص. 105- 106.
[7] - عبد الرحمن الحاج صالح، بحوث ودراسات في علوم اللسان، (الجزائرموفم للنشر، 2007)، ص.184.[8] - ينظر: محمد الأوراغي، الوسائط اللغوية (1- أفول اللسانيات الكلية)، (المغرب: دار الأمان، ط1، 2001)، ص.40.
[9] - أورد سوسير في محاضراته أن الدرس اللغوي مر بثلاث مراحل (كلها غربية) لم يعرف فيها موضوعه بدقة، سمى المرحلة الأولى بمرحلة القواعد أو النحو المعياري، ويبدأ مع الإغريق، أما المرحلة الثانية فأطلق عليها اسم الفيلولوجيا ورأى أن بداياتها تعود إلى القرن 3ق م، وقد ربطها بمدرسة الإسكندرية الإغريقية القديمة، والحركة العلمية التي أسسها فريدريك أوغست وولف سنة 1777، أما المرحلة الأخيرة فيطلق عليها اسم الفيلولوجيا المقارنة، ويُرجع بداياتها الحقيقية مع عالم غربي هو فرانز بوب. (ينظر: فردينان دو سوسير، دروس في الألسنية العامة، ترجمة: صالح القرمادي وآخرين، (تونس: الدار العربية للكتاب، 1985)، ص.17، وما بعدها.[10] - ينظر الباب الأول من محاضراته: لمحة عن تاريخ الألسنية، من ص.17، إلى ص.23.
[11] - عبد الجليل مرتاض، في مناهج البحث اللغوي، (الجزائر: دار القصبة للنشر، 2003)، ص.13.
[12] - المرجع نفسه، ص.17.[13] - حسن خميس الملخ، اللسانيات في الثقافة العربية الحديثة، (مقال مأخوذ من شبكة الإنترنيت: www.aljabriabed.net/n96_07khamis.htm. ) .                                   [14] - المقصود بالتجريبية، كما يذكر عز الدين المجدوب ليس: "تلك النزعة في العلوم التي تقضي باعتماد التجربة قبل إصدار أحكام علمية فتلك من محاسن المنهج العلمي، وإنما الذي نقصده بالتجريبية هو قلة التنظير للمارسة العملية، وعدم وعي الباحث بالمسلمات التي ينطلق منها وعدم تفكيره فيما يقتضيه التسليم بها من مستلزمات ونتائج فرعية", عز الدين المجدوب، المنوال النحوي العربي، (تونس: دار محمد علي الحامي، كلية الآداب سوسة، ط1، 1998)، ص.12.[15] - طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، (المغرب: المركز الثقافي العربي، ط3، 2007)، ص.10.
[16] -  المرجع نفسه، ص.10.
[17] - وحتى إن وجدت هناك دراسات فيها جدة وتميز فإنها تبقى في الهامش؛ لأنها ليست من المرغوب فيه، كما هو الحال مع ما قدمه فاضل السامرائي حول قضية معاني النحو.[18] - هدف واضح يتمثل في الحفاظ على العربية من التحريف وإيجاد آلة تعين على فهم النصوص.
[19] - ينظر: فؤاد بوعلي، الدرس النحوي في الخطاب اللساني المعاصر، (مجلة علوم إنسانية، السنة الرابعة، العدد 30، سبتمبر 2006).
[20] - عبد الرحمن الحاج صالح، بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، (الجزائر: موفم للنشر، ج1، 2007)، ص.207.
[21] - المرجع نفسه، ج1، ص.208.
[22] - المرجع نفسه، ج1، ص.12.
[23] - نركز في هذا المقال على التغييب والتكامل الذي تحدثه اللسانيات للمفاهيم والمصطلحات التراثية، ولمن شاء أن يطلع على أثر التراث اللغوي العربي في الدرس اللساني الغربي فليرجع إلى مقال عبد الرحمن الحاج صالح (تأثير النظريات العلمية اللغوية المتبادل بين الشرق والغرب: إيجابياته وسلبياته)، ضمن كتابه: بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج.2، ص.267.[24] - عبد القادر عبد الجليل، الأصوات اللغوية، (الأردن: دار صفاء، ط1، 1998)، ص.207.
[25] - المرجع نفسه، ص.227.
[26] - عبد القادر عبد الجليل، الأصوات اللغوية، ص.228.
[27] - يقول عبد الرحمن الحاج صالج: "إن العلماء العرب اطلعوا على هذه المفاهيم الصوتية اليونانية (يقصد الصامت والصائت) بعد أن ترجمت إلى العربية كتبهم لا قبل ذلك"، عبد الرحمن الحاج صالح، مرجع سابق، ج2، ص.176.
[28] - المرجع نفسه، ج.2،  ص. 179.
[29] عبد الرحمن الحاج صالح، مرجع سابق، ج.2، ص. 180.[30] - عبد الرحمن الحاج صالح، بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج.2، ، ص. 183.
[31] - المرجع نفسه،ج.2،  ص.190.
[32] - ينظر: المرجع نفسه، ج.2،  ص. 185، وما بعدها.
[33] - المقصود بعدم التّفريق هو عدم وضع مصطلح يفرّق أحدهما عن الآخر.
[34] - ذكر جون ديبوا أن مصطلح lettre يطلق ويراد به الرموز الخطية (الحروف المكتوبة) التي تؤلف الألفبائية، كما يطلق ويراد به الفونيمات المنطوقة، ثم يذكر أن اللسانيات تستعمل الفونيمات للمنطوقة، و (lettre- signes) للمكتوبة. ينظرJean Dubois et autres, Dictionnaire de linguistique et des sciences du langage, larousse, édition: 1999, p.275.
[35] - مازن الوعر، قضايا أساسية في علم اللسانيات الحديث، مدخل، (لبنان: طلاسدار، ط1، 1988)، ص.126.
[36] - ينظر: محمد الأوراغي، مرجع سابق، ص.80.
[37] - ينظر: مقدمة المترجم: محمد فتيح لكتاب: المعرفة اللغوية طبيعتها وأصولها واستخداماتها، نوام تشومسكي، (مصر، دار الفكر العربي، ط1، 1993)، ص.31.
[38] - ينظر: أحمد المتوكل، الوظائف التداولية في اللغة العربية، (المغرب: دار الثقافة، ط1، 1985)، ص.13.
[39] - ينظر: مقدمة المترجم: محمد فتيح لكتاب: المعرفة اللغوية طبيعتها وأصولها واستخداماتها،  ص.32.
[40] - محمد الخضر حسين، دراسات في العربية وتاريخها، نقلا عنعلي أبو المكارم، المدخل إلى دراسة النحو العربي، (مصر: دار غريب، ط1، 2007)، ص.57.[41] - لا ينطبق هذا الحكم على التراث العربي بكامله، فابن سينا (ت 428هـ) مثلا استطاع أن يقدم لنا وصفا تشريحيا دقيقا لها يقول في كتابه أسباب حدوث الحروف: "أما الحنجرة فإنها مركبة من غضاريف ثلاثة: أحدها: موضوع إلى قدام يناله الجس في المهازيل عند أعلى العنق تحت الذقن... والغضروف الثاني: خلفه مقابل سطحه، وسطحه متصل به بالرباطات يمنة ويسرة منفصل عنه إلى فوق ويسمى عديم الاسم، والغضروف الثالث: كقصعة مكبوبة عليها، وهو منفصل عن الدرقي، ومربوط بالذي لا اسم له من خلف بمفصل مضاعف يحدث من زائدتين، وتصعدان من الذي لا اسم له، وتستقران في نقرتين له، ويسمى المكبى والطرجهاري...." علي بن سينا، أسباب حدوث الحروف، محقق ومدرج ضمن كتاب: علوم الصوتيات عند ابن سينا، محمد صالح الضالع، (مصر: دار غريب، 2002)، ص104.[42] - عبد الرحمن الحاج صالح، مرجع سابق، ج2، ص.62.[43] - عبد الرحمن الحاج صالح، مرجع سابق، ج2، ص.61.[44] - عبد الرحمن الحاج صالح، المرجع نفسه، ج.2، ص.63.[45] - أبو سعيد، الحسن بن عبد الله السيرافي (ت 368هـ)، شرح كتاب سيبويه، تح: أحمد حسن مهدلي، وعلي سيد علي، (لبنان: دار الكتب العلمية، المجلد5، ط1، 2008)، ص.393.[46] - المرجع نفسه، المجلد5، ص.396.[47] - عثمان أبو الفتح بن جني، الخصائص، تح: عبد الحكيم بن محمد، (مصر: المكتبة التوفيقية، ج2)، ص.252.[48] - كمال بشر، علم الأصوات، (مصر: دار غريب، 2000)، ص.552.[49] - ينظر: عبد السميع خميس العرابيد، مخرج الحرف بين السلف والخلف، (العربية السعودية: مجلة الجامعة الإسلامية (سلسلة الدراسات الشرعية)، المجلد 13، العدد الثاني، يونيو 2005)، ص.484.
[50] - نظرية النحو الوظيفي نظرية حديثة ظهرت في أواخر السبعينات، زعيمها الهولندي سيمون ديك، وتطمح إلى أن تكون بديلا للنظرية التوليدية التحويلية حيث وجهت لهذه الأخيرة عدة انتقادات، ينبني النحو في هذه النظرية على فكرة رئيسة هي: أن بنية اللسان الطبيعي الصورية ترتبط ارتباط تبعية بالوظيفة التواصلية. نقل هذه إلى العربية أحمد المتوكل، حاول فيها التأصيل لنحو عربي وظيفي. للتوسع أكثر ينظر مقال د. يحي بعيطيش (النحو العربي بين التعصير والتيسير) ضمن أعمال ندوة تيسير النحو، منشورات المجلس الأعلى للغة العربية، 2001، الجزائر، ص.114، وما بعدها.
[51] - ينظر: أحمد المتوكل، اللسانيات الوظيفية (مدخل نظري)، (المغرب: منشورات عكاظ، 1989)، ص.12.[52] - أحمد المتوكل، اللسانيات الوظيفية (مدخل نظري)، ص.139.[53] -  ينظر: أحمد المتوكل، الوظائف التداولية في اللغة العربية، (المغرب: دار الثقافة، ط1، 1985)، ص.123.[54] - أحمد المتوكل، اللسانيات الوظيفية (مدخل نظري)، ص.139.[55] - للتوسع أكثر ينظر: أحمد المتوكل، الوظائف التداولية في اللغة العربية، ص.132، وما بعدها.[56] - يقول ابن الحاجب: "القياس يقتضي أن يكون المبتدأ معرفة ... لأن المبتدأ هو المحكوم عليه، فالأولى أن يكون معروفا عند المخاطب ليستفيد الحكم على معروف" عثمان بن الحاجب، كتاب أمالي ابن الحاجب، تح: فخر صالح سليمان قدراه، (الأردن: دار عمار، ولبنان: دار الجيل، ج2، 1989)، ص.832.[57] - أحمد المتوكل، اللسانيات الوظيفية (مدخل نظري)، ص.140.[58] - ينظر: أحمد المتوكل، الوظائف التداولية في اللغة العربية، ص.144، وما بعدها.[59] - ينظر: المرجع نفسه، ص144، وما بعدها.
[60] - قال ابن عقيل: "الأصل تقديم المبتدإ وتأخير الخبر، ...، ويجوز تقديمه (الخبر) إذا لم يحصل بذلك لبس أو نحوه، ... فتقول: قائم زيد، وقائم أبوه زيد، وأبوه منطلق زيد..." بهاء الدين ابن عقيل (769هـ)، شرح ابن عقيل، ومعه كتاب: منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل، لمحي الدين عبد الحميد، (مصر: دار إحياء التراث العربي، ط2) ص.227.[61] - أحمد المتوكل، الوظائف التداولية في اللغة العربية، ص.161.[62] - المرجع نفسه، ص.28.[63] - ينظر: المرجع نفسه، ص.29.[64] - لمزيد من الوضوح والبيان ومعرفة شروط البؤرة وكيفية إسنادها، ينظر: أحمد المتوكل، الوظائف التداولية في اللغة العربية، ص.27، وما بعدها.[65] - المرجع نفسه، ص.69.[66] - فاضل صالح السامرائي، معاني النحو، (الأردن: دار الفكر، ط3، 2008، المجلد 2)، ص.48.[67] - عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تح: محمود شاكر، (جدة: دار المدني، ط3، 1992)، ص ص. 107، 108.
             


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال