هذا عنوان مقال يقدم المقاربة التداولية، وييسر فهمها، صيغ بأسلوب سهل، يمكن فهمه، والإحاطة بمضامينه ومحتوياته، أرجو أن يجد فيه طلبتنا ما ييسر عليهم فهم هذه المقاربة الحديثة (التداولية التي هي في أبسط تعاريفها: علم استعمال اللغة)
المقال:
البراجماتية
سنقدم في هذا البحث منهجا علميا جديدا يمتلك أدوات منهجية تمكن اللساني من النفوذ إلى أعماق البنية الإبداعية عند المتكلم، وهو رؤية في الآلية الإنتاجية بجميع مكوناتها المعرفية، يطلق عليه البرجماتية موضوعه معالجة اللغة أثناء أدائها وظيفتها التواصلية.
تنقسم البراجماتية (التداولية) إلا تداولية فلسفية، وتداولية لغوية، وسنقتصر على تقديم نوع واحد منها له علاقة مباشرة بالمستوى اللساني الذي نحن بصدد معالجته.
الكلمات المفتاحية:
الملفوظ – الحوار – الكفاية البلاغية – الإشاريات – التعاون – الملاءمة – الجدية – الإخبارية – الشمولية – الأفعال الكلامبة – القوة الإنجازية – الحجاج - التلفظ
فما التداولية؟
لنقل أولا بأنها تعد البعد الثالث من أبعاد السميائيات العامة التي عرفها شارل موريس، كما يلي:
1 – علاقة اللغة باللغة = علم التركيب (Syntax)
2 – علاقة اللغة بالواقع = علم الدلالة (Semantics)
3 – علاقة اللغة بمستخدميها = التداول (Pragmatics)
بهذا المعنى ستكون التداولية دراسة اللغة أثناء ممارستها إحدى وظائفها الإنجازية أي الحوارية والتواصلية.
نشير إلى أن مصطلح براجماتية يطلق على العلم الذي يهتم بعلاقة اللغة بمستخدميها، ويهدف إلى وضع قوانين للحوار، مدخلاً في الاعتبار المقام ([2]) الذي تنتج فيه اللغة، فإذا كانت اللسانيات تهتم بالجمل، فإن التداولية تهتمبالملفوظات بالدرجة الأولى، وتبحث في الوسيلة التي تنفذ بها اللغة في مختلف المقامات الحوارية.
وإذا كانت اللسانيات تهتم بالإنتاجية اللغوية في مستواها الصوري (تفكيك الآلية الإبداعية في كفاية المتكلمين ومحاولة التعرف على البرنامج اللغوي من الداخل) فإن التداولية تهتم بمختلف الإسقاطات التأويلية التي يفرزها الأداء (التعبيرات). وإذا كانت اللسانيات تهتم بالمرجع وبالأدوات التي تنتج الخبر الثابت فإن التداولية تهتم بالأدوات التي تنتج القصد.
هكذا إذن سيكون مجال اللسانيات البحث في الكفاية اللغوية بينما يكون مجال التداولية البحث في الكفاية التواصلية. وإذا كانت اللسانيات تبحث في المرجع الثابت المؤدي إلى خبر ثابت أيضاً فإن التداولية تهتم بقصد المتكلم ودرجة اقتناعه بالمحتوى الخبري الذي تبلوره العملية التواصلية وتحكمه مقامات تلفظية متغيرة بطبيعتها.
وإذا كنا نحتاج في اللسانيات إلى تشغيل آليات الكفاية اللغوية الرمزية لتحديد الخبر في اللغة فإننا في مجال التداوليات نحتاج إلى توظيف آليات المكون البلاغي المعبر بشكل ثابت عن مرجع غير ثابت. وإذا كانت اللسانيات تهتم بالجملة في أقصىحدودها التوزيعية بوصفها الوحدة الأساسية في اللغة مقسمة إياها إلى مسند ومسند إليه، فإن التداولية تدخل في الاعتبار قضايا صوتية وتنغيمية تجعلها تتخذ الملفوظ منطلقها الأساسي في الدراسة وذلك على الشكل التالي:
اللغة
ثانياً: النظرية الحجاجية: (تداولية الدرجة الثانية)
ثالثاً: نظرية الأفعال الكلامية: (تداولية الدرجة الثالثة)
ثالثاً: نظرية الأفعال الكلامية: (تداولية الدرجة الثالثة)
ملفوظ ج
المكون التداولي المكون البلاغي مسند مسند إليه
(القصد) (البيان)
وتنقسم التداولية إلى ثلاث درجات، هي:
1- تداولية الدرجة الأولى: النظرية التلفظية (Enonciation)
2- تداولية الدرجة الثانية: النظرية الحجاجية (Argumentatiion)
3- تداولية الدرجة الثالثة: نظرية الأفعال الكلامية (Actes du langage)
وقبل الحديث عن هذه الأنواع الثلاثة نتوقف عند نظرية قوانين الحوار لبول جرايس التي تعد أكثر انتشارا في الدراسات التداولية المطبقة على مختلف اللغات. تقوم هذه النظرية على مجموعة من الأسس التي تنظم العلاقة الحوارية بين المتكلمين الذين يدخلون في حوار بناء على عقد ضمني يحدد إسهام كل واحد من المتحاورين في تنمية العملية الحوارية، وهو مبدأ أساسي في بلورة الفكرة لتصل إلى غايتها، أي ضمان أسباب النجاح للعملية برمتها، وهو ما يفسر بوجودعقد ضمني بين المتحاورين، هذا العقد يختلف باختلاف نوع الخطاب، إذ لكل خطاب آلياته البراجماتية التي تؤمن له النجاح. من أهداف هذا العقد الضمني جعل المتحاورين ينضبطون في حوارهم فيما بينهم، وهذا ما يعقد عملية الحوار.
تقسم هذه القوانين الحوارية إلى:
1) قانون التعاون، وهو رغبة الطرفين في تنمية العملية ونجاحها، حيث يتم التعبير بطريقة تجعل المتحاورين يفهم الآخر، فيستخدم عبارات مناسبة لمقام التخاطب، تجعل المخاطب يلتزم بموضوع الحوار.
2) قانون الملاءمة، والمقصود به التحدث بما يلائم وضعية المتخاطبين، وألا تستخدم عبارات خارج نطاق الموضوع من شأنها أن تحرف فهم المخاطب أو تجعله يخرج عن بؤرته الأساسية ليحشر فيه أفكارا أخرى خارجه.
3) قانون الجدية، وهو المبدأ المفروض توفره في كلا المتخاطبين ضمانا لنجاح الحوار، أي يجب أن يلتزم كلا هما الجدية في تناول الموضوع من سائر جوانبه، فإذا تسرب الشك من قبل أحدهما إلى جدية الحوار انهار وفشل.
4) قانون الإخبار، وهو أن يكون الكلام الذي يدور بين المتحاورين ذا دلالة تحتاج إلى بلورة بهدف الوصول إلى نتيجة، ويفترض في الحوار أن ينقل خبرا ما، فإذا حاد عن ذلك صار هراء.
5) قانون الشمولية، والمقصود به الإحاطة الشاملة بالموضوع ضمانا لنجاح الحوار بين المتخاطبين، ولا يعد الخطاب ناجحا إلا إذا أحاط بكل أطراف الموضوع، فإذا تخلى عن هذا الشرط كان فاشلا.
تعد هذه القوانين التي صاغها بول جرايس أساسية في كل حوار بناء بين المتحاوررين في المجتمع، وقد وقع التركيز على هذه القوانين لأن أي كلام هو في حقيقته ذو بعد حواري بالأساس، وعند تجتمع جميع أنواع الخطاب سواء منها المنطوق أو المكتوب.
بعد هذا العرض الموجز لنظرية جرايس نتطرق لمختلف درجات التداول ذات العلاقة بالنظام الإشاري للغة، وسنحصر الحديث في أشهرها التي صنفها الباحثون في ثلاث دراجات:
أولاً: النظرية التلفظية: (تداولية الدرجة الأولى)
وتقوم على دراسة عناصر إنتاج الخطاب اللغوي التي تحصرها في:
1- الأنا، 2- الهنا، 3- الآن.
وتطلق على هذه العناصر الثلاثة الإشاريات: Deictiques (Deixis).
الأنا: المتكلم الذي يصدر عنه الخطاب.
الهنا: المكان الذي ينتج فيه الخطاب.
الآن: الزمن الذي ينتج فيه الخطاب أو اللحظة التي تتم فيها عملية التواصل.
هذه العناصر هي التي تحدد عنصر القصد في الملفوظ ويمكن القول بأن:
- الأنا هي جميع الضمائر (المتكلم والمخاطب).
- والهنا هي جميع أسماء الإشارة المعروفة وظروف المكان.
- والآن هي ظروف الزمان التي يمكن أن تكون بارزة أو مضمرة، التي تقوم بتحيين الخطاب، كما في الملفوظ، مثلا:
(أمر): اكتب الدرس
التي تعد بنية سطحية تتضمن الضمائر الموجود فيما يسمى بالبنية الضمنية أو العميقة:
"أنا أقول اكتب أنت الدرس الآن هنا".
ولكن كفاية المتكلم تحتفظ بها، لأنها لا تسمح بالتكرار، كما لا تسمح إلا بإنجاز ما هو ضروري لقيام عملية التواصل.
وهناك إشاريات صريحة هي التي نظهرها في الملفوظ، وإشاريات ضمنية نحتفظ بها في الكفاية البلاغية، ويتم تعويضها إما بإبماءات سيمياية وصواتية تسعف المتلقي على فهم الملفوظ ومن ثم الإجابة عنه ، والأغلب أن تكون الإشارات ضمنية. لكن الخطاب اللغوي لا يتضمن دائماً هذه الإشارات في البناء السطحي، بل يبقي عليها في البناء اللغوي الضمني الموجود عند جميع المتكلمين بشكل موحد، أي تبقى في المكون البلاغي الذي يتولى تفعيلها بشكل ضمني.
لا بد من وجود مخاطَب ومخاطِب في الاتجاه التلفظي ، ولكننا لا نعتمد في المستوى اللغوي إلا مستوى واحدا فقط. فالاتجاه التلفظي هو حضور عيني للمتقابلين تتوفر فيه شروط اجتماعية وثقافية معينة، وفي مجموعة من الظروف والملابسات المتشابهة.
ويصنف أصحاب هذا الاتجاه أنفسهم في خانة اللسانيين لأنهم يوظفون أدوات لسانية في التحليل، فعندما تقول:
هل قدم محمد من السفر؟
هذا ملفوظ قابل للتقعيد باعتبار أن الانتقال من جملة إلى جملة يجب أن يتم عبر وسائط لغوية فارغة دلاليا مثل أدوات الاستفهام، فهذه الأدوات وسيلة صورية تصاغ على شكل قواعد تداولية.
لماذا هذه المكونات الثلاثة (الأنا، الهنا، الآن) في الاتجاه التلفظي؟
إنها تعني أن الخطاب الملفوظ يشكل وحدة غير قابلة للتجزيء، إذ يتم فيه البحث عن المرجع أي المكون الأساسي الذي تبحث فيه التداولية، فإذا غاب واحد من هذه المكونات الخطابية غاب المرجع.
وهذا المرجع لا يمكن أن يكون ثابتاً بل هو مرتبط باللحظة التي يقع فيها الخطاب بدليل أننا نقول (الآن والهنا) ولا نقول (غداً).
يدخل هذا النوع من الدراسة في مجال سيميائيات السلوك البشري التي تهتم أساسا بالمرجع، فإذا غاب المرجع من سلوك البشر وتصرفاتهم فإنه سيصبح غير ذي معنى، وهذا المرجع متغير لا يمكن ضبطه إلا من خلال الإشاريات الثلاثة.
كما أن هذه الدراسة لا تهتم بالكفاية اللغوية لأنها تعدها تحصيل حاصل، ولكنها تهتم بالكفاية التواصلية وتعضد هذه الكفاية بالمكون البلاغي، لأنك لا تستطيع أن تنقل معنى جملة إلى معنى جملة أخرىآخر دون هذه الكفاية؛ فإذا فقد الإنسان المكون البلاغي سيصعب عليه إنتاج مقامات جديدة.
يجب ألاّ يفهم من مصطلح (الإشاريات) أن اللغة لا تتضمن مكونات أخرى غيرها، ففي اللغة عناصر دالة، مداخل معجمية، وعناصر إشارية، وهذا لا يعني أن (الأنا والهنا والآن) غير معجمية أو دالة بل هي دالة ولها مرجع، إلا أنها تبقى مضمرة في الكفاية اللغوية وتتولى الكفاية التواصلية إدراكها.
يهتم هذا الاتجاه بسلّميّة الخطاب، ويعتبر أن إرسال المتواليات اللغوية (الملفوظات) لا يمكن أبداً أن يكون نهائياً في دلالته، لأنه يؤدي دائماً إلى وجود اقتضاء يتضمن في ثناياه اقتضاء تدوليا آخر. وفي هذا الصدد لا يجب أن ينظر إلى اللغة على أنها طبقة نهائية من الإنتاج الخبري، بل إن كل منطوق يحمل في ثناياه طبقة دنيا وطبقة عليا، فعندنا يقول شخص:
أنا مريض
فإنه يلغي من ذهن السامع:
لست مشرفا على الهلاك (درجة عليا)،
(و) لست متعباً فقط (درجة دنيا).
إن النطق بملفوظ أنا مريض يلغي من ذهن سامعه مجموعة من الاحتمالات ولكنها موجودة في ذهنه، وهذا يعني أن كل ملفوظ يحمل قوة حجاجية تتردد بين القوة والضعف، أو السلب والإيجاب.
بهذا المعنى سيكون الكلام عبارة عن سلّميّيات متدرجة دلالياً كما هو مبين في الشكل التالي:
أنا مشرف على الهلاك. أنا متضايق
أنا مريض. (أو) أنا أكاد أختنق
أنا مرهق. أنا وصلت إلى حالة اليأس
وكلما أنتج المتكلم ملفوظاً كانت تحته أو فوقه درجة أخرى أقوى أو أضعف منه دلالة.
إن قوة الملفوظ تكون في وقت إنتاجه وحسب موقعه من سلّميته، فإذا قلت اليوم: (أنا مريض)، وكررت قولها بعد ساعات أو غداً، فالمرجع مختلف: مرجع اليوم مخالف تماما للمرجع الذي بعده.
وتقوم بعض العناصر اللغوية بدورها التداولي فيما يتعلق بتحديد درجة الخطاب مثل أدوات التوكيد التي تحدد درجة الخطاب إما ضعفاً أو قوة.
وهكذا فإن الخبر الذي تحمله الملفوظات (الخبر المحمول) لا يمكن أن يكون ثابتاً، فكل ملفوظ يتضمن في ثناياه إلغاء درجات أخرى من الأخبار، وترتبط درجة الإخبار في الكلام بقصد المتكلم وهذا القصد بدوره يندرج في سلّميات خطابية يكون الشكل اللغوي إحدى مظاهرها، فلكل قصدية شكل لغوي يحددها، ولذلك فإن جملة (أنا مريض) تختلف عن جملة (إنني مريض).
وتلعب بعض الأدوات الدور الحجاجي في ضبط سلّمية الخطاب نقول (اليوم الطقس حار) حيث تفترض هذه الجملة أن الجو ليس دافئاً، وليس شديد الحرارة.
وليس من الضروري أن يحتفظ الشكل اللغوي بكل مكوناته ليعبر عن حجاجية عليا أو دنيا؛ إذ يمكن أن ينتج خطاب موازٍ تكون له الدلالة نفسها التي يعبر بها عن سلّمية خطابية معينة، مثلاً:
(أنا مريض) فإذا أردت أن أعبر عن سلمية عليا فليس من الضروري أن أستخدم الكلمة نفسها، بل أقول مثلاً (أنا مشرف على الهلاك) فالعبرة بالمعنى ([3]) وليس باللفظ.
يهتم هذا النوع من التداول باللغة يوصفها مظهرا فعليا (حدثيا)، مع إسناد قوة إنجازية للملفوظات التي يقوم عليها الخطاب، يوهو يقسم الملفوظات إلى قسمين:
1- إثباتي خبري، مثل: سافر الرجل.
2- إنجازي، مثل: هل سافر الرجل.
وإذا كان الحديث عن الكلام الخبري معروفاً بلاغياً، إذ يمكن تصنيفه من خلال مقولتي الصدق والكذب، فإن الكلام الإنجازي (الإنشائي) يستدعي وقفة علمية تحدد نوعه ومرجعه من وجهة نظر الأفعال الكلامية.
فهو السؤال، والأمر، والالتماس، والدعاء، والتعجب، والأمر، إلخ. يضاف إليها كل ملفوظ غير قابل للتأطير من خلال مقولتي الصدق والكذب مثل (أقول)، (أحكي)، (أفكر)، (أظن)، يضاف إليها عبارات العقود والتحية.
يهدف هذا الاتجاه إلى تحديد القوة الإنجازية (الإيحائية) في الملفوظ، وتحدد هذه القوة في الملفوظات من خلال موقع المتكلم في المجتمع، كما تحدد من خلال قوتها الإيحائية الدافعة للإنجاز والحاثة عليه، وعليه فإن الإنجاز سيكون خلاف الإخبار.
ترى هذه النظرية أن كل ملفوظ خبري يتضمن فعلاً إنجازياً، نقول مثلاً:
الجبل حجر
يمكن تحويلها إلى ملفوظ إنجازي بإضافة بعض المكونات الخطابية الكلامية، مثل:
أقول الجبل حجر
وبما أن "أقول" فعل إنجازي فإنه ينقل الجملة من الخبر إلى الإنجاز، ويتحدد نوع الملفوظ من خلال الفعل الذي يظهر فيه (يعمل فيه) على الشكل التالي:
1- أفعال إخبارية، مثل: كتب/ قرأ.
2- أفعال إنجازية، مثل: أقول / أرفض، أقبل.
يتألف الفعل اللغوي من ثلاث طبقات تشكل في مجموعها الفعل اللغوي:
1- فعل تصويتي: والمقصود به مجرد النطق بالصوت مثلاً (اكتب الدرس) فالمستوى الأول من هذا الملفوظ هو أنه منظومة من الأصوات لها دلالة.
2- الفعل الإنجازي: أي صياغة الملفوظ على شكل إلزام، أو التماس، أو أمر، أو استفهام أو غير ذلك. أي تصنيف الملفوظ في إحدى الخانات الإنجازية السابقة.
3- الفعل التأثيري: وله علاقة بالمتلقي، أي تنفيذ فعل ما بمجرد سماع الملفوظ، وهذا يتوقف على العلاقة بين المتحاورين، لكنه يركز بالدرجة الأولى على المتلقي حيث يتوقف التنفيذ على درجة الاقتناع لديه، فهو قد يفرح أو يغضب، أو ينفذ حسب متطلبات الملفوظ. وهنا تختبر درجة نجاح الملفوظ أو فشله.
يكون الملفوظ ناجحا إذا أدى إلى فعل تأثيري، ويكون فاشلا في حالة العكس. مثلا: لو قال رجل مسلم لزوجته: أنت طالق، فإن الملفوظ سيعد ناجحا بداهة، وإذا قال أحدهم لغير زوجته: أنت طالق، فالملفوظ فاشل بداهة. لكن إذا قال أحدهم للآخر: بعتك كذا، فإن الملفوظ سيكون ناجحا إذا كان المتلفظ يملك فعلا ذاك الذي جرى الكلام فيه، وسيكون فاشلا إذا لم يكن كذلك. أما إذا قال أحدهم للآخر: اذهب إلى المكان كذا وجئني منه بكذا، فإن الملفوظ سيكون ناجحا إذا كان الآمر أعلى درجة من المأمور، وفي حالة العكس فإن مآله سيكون الفشل.
تخلص من هذا إلى أن نجاح الملفوظ أو فشله يتوقف على عدة عوامل في مقدمتها العامل اللغوي الذي تصاغ فيه قوالب الملفوظات، أي القوة الإيحائية، يليه نوع العلاقة بين المرسل والمتلقي، وتليه في الأخير درجة اقتناع المتلقي بالملفوظ، ومدى فهمه له.
تجدر الإشارة في الأخير إلى أننا لم نحط بجميع أنواع التداوليات، ولعل أهم ما لم نتعرض له هو قوانين الحجاج عند المناطقة الذين لخصوا أبواب المنطق في بابين هما:أولا: التعريفات وأنواعها، والمقصود بها القوانين التي يكتسب بها اللفظ والقضية (الجملة) معناهما، والعكس، أي كيف ينحصر معنى ما في الملفوظ. وما يلحق بذلك مثل المفهوم والماصدق.
ثانيا: الحجج وأنواعها، والمقصود بها درجات الحجاج بشكل يقترب مما قدمناه هنا.
وتجدر الإشارة إلى أن المناطقة العرب قدموا تحليلات قيمة للمكون البلاغي والكفاية التواصلية قد تفوق بكثير ما قدمه الغربيون في هذا المضمار، مع اعتقادنا في عدم جدوى المقارنة نظرا لاختلاف الإطار المعرفي الذي يعد مرجعا لكل معالجة.
نذكر في هذا الصدد كتاب الباجي الأندلسي: المنهاج في ترتيب الحجاج، وكتاب: السلم المرونق في علم المنطق، مع شروحه التي يتجاوز عددها العشرين شرحا، وغيرهما من المؤلفات العربية التي عالجت مثل هذه القضايا التي نعدها أساسية في التعامل مع النصوص من حيث قدرتها على تفكيك آلية الخطاب وإعادة تركيبه من جديد، وصفا أولا، ثم شرحا وتفسيرا ثانيا، مع قدرتها على إشراك المتكلم في المعالجة.
تدريبات
- عرف التداولية
- فرق بين التداولية والدلالة
- استعرض بإيجاز قوانين الحوار كما جاءت عند بول غرايس
- ما درجات التدالولية
- اكتب تقريرا من صفحة واحدة تبين فيه الأسس التي يقوم عليها التداول عامة
- ما معنى أن يكون للملفوظ قوة إنجازية
- ما معنى الحجاج، مثل لذلك
- ما الفرق بين نظرية الحجاج والأفعال الكلامية
- ما رأيك في نظرية التلفظ، علق كتابة
- هل لديك انتقادات توجهها لإحدى النظريات التداولية ؟ اكتبها في سطور
مراجع البحث ومصادره
باللغة العربية:
- مجموعة مؤلفين: المعرفة العلمية، إعداد وترجمة: محمد سيلا وعبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، 1992
- رومان ياكبسون: قضايا الشعرية، ت. محمد الولي ومبارك حنون، دار توبقال للنشر 1988
- ستيفن بنكر: الغريزة اللغوية: كيف يبدع العقل اللغة، ت. حمزة قبلان المزيني، دار المريخ، الرياض 2000
- محمد هشام: في النظرية الفلسفية للمعرفة: أفلاطون، ديكارت، كانت، إفريقيا الشرق، 2001 ، الدار البيضاء.
- ديفيد وورد: الوجود والزمان والسرد: فلسفة بول ريكور، ت. سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، 1999
- ميشال فوكو: حفريات المعرفة، ت. سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، 1987
- عبدالله الغذامي: الخطيئة والتكفيرن نادي جدة الأدبي، 1985
- محمد خير البقاعي: تلقي "رولان بارت" في الخطاب العربي النقدي واللساني والترجمي، كتاب لذة النص نموذجا، مجلة العلوم الإنسانية، الكويت.
- جمال الدين بن الشيخ: في الشعرية العربية، ت. امحمد أوراغ ومبارك حنون،إفريقيا الشرق 1998 ، الدار البيضاء.
- جان سيرفوني: الملفوظية، ت. قاسم المقداد، اتداد الكتاب العرب، 1998
باللغات الأجنبية
- Austin.: Quand dire c`est faire, Seuil, 1980
- Latraverse F La pragmatique: histoire et critique, Pierre Mardaga, éditeur 1987, Bruxelles
- Ducrot, O.: L`argumentation, Seuil, 1979
- Recanatti, F.: Pragmatique, Seuil, 1985
- Grice, H.P.: Logic and communication, ed. Morgan, New York, 1975
- Gross, M.: On the faillure of Generative Grammar, languge, 55,4, 859-896
- Chomsky, N.: A minimalist program for linguistic theory, MIT, 1992
- Pollock, J.I.: Langage et cognition: introduction au programme minimaliste de la grammaire generative, Paris, 1997
- Searle, J.R.: Les actes du langage, Seuil, 1985
- Jacques F. & Denhiere G.: Cognition et langage, Revue langage, n: 100, 1990
[2] ) تجب الإشارة إلى أننا نفرق بين المقام Situationtبوصفه مصطلحا تداوليا وبين السياق Contex الذي يعد مفهوما رياضيا أولا ولسانيا ثانيا، وشتان بين المفهومين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق