آخر المنشورات

إعلان الرئيسية العرض كامل

إعلان أعلي المقال

=======================

♦ قضايا التداولية في التراث العربي 

◄◄  أفعال الكلام - أنموذجا-  ►►

=======================


◘ الملخص: 


 لم تعد التداولية ذلك الموضوع الجديد الذي لم تتضح معالمه و حدود دراسته، و موضوعه و منهجه بعد، فقد تقدم موضوع التداولية تقدما ملحوظا من خلال أعمال مدرسة التحليل (أكسفورد). فالاجتهادات التي قدمها أوستين و غوفمان و غرايس و غيرهم من الأسماء اعطت دفعا ساهم في تقدم الدراسات التداولية وتحديد موضوعات الدراسة فيها، فالتداولية تدرس اللغة في سياقات استعمالها المختلفة و من القضايا التي تناقشها وتأخذها بالتحليل قضية أفعال الكلام، الإشاريات، مقتضيات القول، الاستلزام الحواري ...

ومع هذا التحديد لم يلبث الباحثون العرب الرجوع إلى ثنايا كتب البلاغة والنحو، وعلم الأصول، للبحث في طياتها عن الإرهاصات والجهود التي قدمها علماء العرب الأقدمين في هذا المجال، والحديث في هذه الورقة البحثية عن أفعال الكلام ضمن أبحاث النحويين و تطبيقها على مدونة (رسالة الجاحظ كتمان السر وحفظ اللسان).

 فكيف كانت تعرف عندهم نظرية الأفعال الكلامية؟ وهل تناولها النحويون الأقدمون كما قدمها المحدثون اليوم، و أين تلتقي جهود النحويين الأقدمين والتداوليين حول قضية أفعال الكلام؟ 

♦ قضايا التداولية في التراث العربي  ◄◄  أفعال الكلام - أنموذجا-  ►►

♦ قضايا التداولية في التراث العربي  ◄◄  أفعال الكلام - أنموذجا-  ►►


{الكلمات المفتاحية: التداولية، أفعال الكلام، أسلوب الخبر والإنشاء}


 ◘ Summary:


The pragmatic are not a now subject, we do not know the limits of study or method or subject of study vet. because the pragmatie's subject progressed thanks to the efforts oxford school's analysis and the works presented by each of Austin, Searle Goff man, and each others) than contributed in progress of pragmatics study, it is studied language in different contexts, she discussed and analyzed cach issues lake: speech acts, conversational implicature, deictics, and presupposition. 

With indicating the pragmatics Arabs researchers returned to heritage books for research about the achievements of old Arab researchers in this subject )pragmatic) The research discuss speech acts into grammarian's research and application at Al- jihad's letter. The question of this research how did they know the speech acts theory? Do the ancient grammarians as presented by the modernists today present it? And pragmatists in the speech acts theory?


{Keywords: pragmatic, speech acts, experimental and structural style}.

=============================


• تعددت القضايا التي تتناولها التداولية المعاصرة دراسة وتحليلا، ومن قضاياها (القصدية، الاستلزام الحواري، مقتضيات الفول... )، والقضية التي نود الحديث عنها البحثية، هي قضية الأفعال الكلامية. وسيكون لنا بذلك عودة للتراث العربي و البحث في ثناياه عن قضية الأفعال الكلامية، التي سبق وأن تطرق إليها علماء اللغة العربية 


تتعدد المجالات والمداخل التي تبحث فيها اللسانيات التداولية، وبذلك اكتسبت عدید المفاهيم . فمن الناحية اللغوية يرجع المصطلح إلى مادة (دَوَلَ). وقد ورد في مقاييس اللغة على أصلين: «أحدهما يدل على تحول شيء من مكان إلى آخر، والآخر يدل علي ضعف و استرخاء. فقال أهل اللغة إذ دال القوم، إذا تحولوا من مكان إلى مكان، و من هذا الباب، تداول القوم الشيء بینهم إذا صار من بعضهم إلى بعض، و الدَّولة والدُّولة (بفتح الدال الأولي وضم الثانية)، لغتان و يقال: بل الدُّولة في المال و الدَّولة في الحرب، و إنما سميا بذلك من قياس الباب: لأنه أمر يتداولونه فيتحول من هذا إلى ذاك. و من ذاك إلى هذا»(1) وجاء في لسان العرب لابن منظور: «تداولنا الأمر، أخذناه بالدول وقالوا : دواليك أي مداولة على الأمر. ودالت الأيام؛ أي دارت. والله يداولها بين الناس، وتداولته الأيدي أخذته هذه مرة و هذه مرة، وتداولنا العمل و الأمر بيننا: بمعنی تعاونا فعمل هذا مرة وهذا مرة»(2) 


و من مجالاته المفهومية بالنسية إلى اللغة التناقل والتحول في المال أو الحرب. بما يحقق الملكة أو الغلبة. والاشتراك في تحقيق الفعل، و كذلك اللغة بمعناها الاجتماعي حين يستخدم الشيء الواحد من قبل الجماعة وخلاصة هذا المفهوم المعجمي، أن من مجالات لفظ (دول):


1-  التحول من مكان إلى مكان (القوم). 

2- التنقل من أيدي هؤلاء إلى أيدي هؤلاء (المال).

3- الانتقال من حال إلى حال (الحرب). 


أما المفهوم الاصطلاحي للتداولية. فنجده أخذ تعاریف متعددة، فكل دارس يعرفها حسب توجهه وتخصصه. فهي "درس جديد و غزير، إلا أنه لا يمتلك حدودا واضحة. فقد كانت التداولية في بداياتها تستلهم وجودها من خلال ما يحيط بها من علوم نفسية واجتماعية، وفلسفية و تاريخية. . . وبهذا لم تكن ذات طبيعة تخصصية، لكنها سعت كعلم لأخذ مكانتها في حقل اللسانيات، فقد أصبح لها طايع مستقل، و کیان منفصل، وأصبحت توسم والتداولية.


وهذا التعدد في التعريفات يشي بمدى تطبيق المنہج البراجماتي، فقد قال عنها (موريس) سنة 1938. التداولية جزء من السيميائية، التي تعالج العلاقة بين العلامات و مستعملي هذه العلاماث» (4) 


غير أن الدراسات اللغوية العربية. عرفتها بمصطلح التداولية، وأول من نعتها به هو الفيلسوف اللغوي (طه عبد الرحمن سنة  1970 ) حيث عرفها بأنها " دراسة اللغة في الاستعمال، أو في النصوص (in lnteraction)؛ لأنه يشير إلى أن المعنى ليس شيئا متأصلا في الكلمات وحدها، ولا يرتبط بالمتكلم وحده ولا السامع وحده، فصناعة المعني تتمثل في تداول اللغة بين المتكلم والمخاطب في سياق محدد. مادي، أو اجتماعي، ولغوي وصولا إلى المعنى الكامن في كلام ما"(5).


عموما هي مجموعة من البحوث المنطقية اللسانية تعنى باستعمال اللغة، و تهتم بقضية التلاؤم بين التعابير الرمزية ، والمساقات المرجعية و المقامية و الحدثية والبشرية،(6) أثناء الاستعمال التخاطبي، ويقسمها الباحثون إلى ثلاثة أنواع:


 1- التداولية اللفظية (لسانيات التلفظ): 

وتبناها (شارل موريس) وتعني يوصف العلاقات الموجودة بين المعطيات الداخلية للملفوظ وخصائص الجهاز التلفظي: أي (المتكلم والمخاطب وصفة الخطاب).


 2- التداولية التخاطبية: 

(نظرية أفعال اللغة) تبناها (جون أوستين) و(سيرل): وتعني بالقيم التخاطبية المضمرة داخل الملفوظ والتي تسمح بالاشتغال كفعل لغوي.


 3- التداولية التحاورية:

 نتج تطورها عن استيراد الحقل اللساني للأفكار التي أسسها أصلا الأثنرولوجيون، وتشتغل بالحوارات، وهي تبادلات كلامية تقتضي خصوصيتها أن تنجز بمساعدة دوال لفظية،(7) وقضية أفعال الكلام هي من بين القضايا التي تتناولها التداولية وأولتها اهتماما خاصا، وكذا الحدث الكلامی باعتباره الوحدة الكبرى، بينما الأفعال الكلامية هي الوحدات الصغرى لهذا الحدث. 


فالحدث الكلامي يعتبر من المفاهيم التي تدور في فلك الفعل الكلامي؛ بل سلسلة من الأفعال الكلامية، وفي هذا السياق يذهب (دل هایمز) ) (Dell Hymes) إلى أنه الوحدة الأساسية؛ أي رفعة التواصل اللغوي. سواء أكانت هذه الرفعة كلمة أو عبارة أو جملة أو فقرة، أو نصا برمته يعتبر حدثا تواصليا، ومنه يقسم الحدث الكلامي إلى وحدات أصغر هي: (الأفعال الكلامية).


فيقول إن الحدث الكلامي، قد يتكون من فعل كلامي واحد أو أكثر من فعل.(8) ومن وجهة النظر هذه، يمكن أن تتم معالجة حدث ما من "زوايا عدة منها: (المتحدث أو المرسل، المخاطب أو المتلقي، شكل الرسالة، القناة، الشفرة، موضوع الحدث، الموقف الذي يقع فيه الحدث".(9) أما الفعل الكلامي الذي هو أحد المفاهيم الأساسية في اللسانيات التداولية، يرجع الفضل في وضعه إلى الفيلسوف أوستين(Austin). وأخذه عنه الفيلسوف سيرل (Searle)، العام 1972. وعممه في دراساته


لكن المقصود هنا بالوحدة الصغرى هو الحدث الكلامي، وبفضلها تحقق اللغة فعلا بعينه ومن مثل: ( أمر، طلب، تصريح، وعد...)(10)، أو هو كل ملفوظ يفضي التلفظ به في شروط معينة إلى حدث، أو فعل، وينتج "هذا التلفظ آثارا قد تكون لغوية، وقد تكون غير لغوية"(11)


وهنا تجدر الإشارة إلى أن نظرية الأفعال الكلامية تقوم على "فكرة أننا عندما نتحدث فإننا نقوم بأفعال أو أحداث، و يبدو هذا واضحا فيما عرف بالمقولات الإنشائية performative utterances، التي يمكن أن نمثل لها بما يطلق عليه في كتب الفقه مصطلح صيغ العقود نحو بعتك، و زوجتك، وطلقتكِ، ومنها أيضا أعدك، و أرجوك، وأتمنى أن تفعل ذلك، ونحوها مما يقترن فيه القول بعمل يصح أن نعده منجزا بمجرد انتهاء المتكلم من كلامه؛ كالطلاق، و البيع، و النكاح، و الوعد، والرجاء، والتمني."(12)


أما في الدراسات العربية القديمة سواء تعلق الأمر بعلماء البلاغة أو النحو، فإن نظرية أفعال الكلام كانت تندرج "تحديدا ضمن الظاهرة الأسلوبية المعنونة ب (الخبر والإنشاء)، وما يتعلق بها من قضایا و فروع وتطبيقات، ولذلك تعتبر نظرية الخبر والإنشاء من الجانب المعرفي مكافئة لـ: مفهوم الأفعال الكلامية عند المعاصرين".(13) وهو تأكيد و إثبات على وجود ظاهرة الأفعال الكلامية بمفهومها الحديث في الدراسات العربية القديمة وهي تتقاطع مع رؤية (أوستين) في الأقوال والتي صنفها إلى الأقوال الوصفية، وهي: (الخبرية)، والأقوال الإنشائية وهي: ( الإنجازية)(14) واللافت للنظر أن كتب النحو وعلم المعاني لم تلتفت إلى صيغ ألفاظ العقود والمعاهدات، وأن المصدر الأساسي لبحث هذا القسم الإنشائي الهام هو كتب الفقه وأصوله، وذلك لكثرة في فقه المعاملات بين الناس من زواج، وبيع.(15)


ومن التصنيفات التي أسسها كل من سيرل وأوستين لدراسة الأفعال الكلامية، وقسماها على ثلاثة أسس منهجية هي: (الغرض الإنجازي، اتجاه المطابقة، و شروط الإخلاص)، وجعلها سيرل فيما بعد خمسة أصناف وهي:


1- الاخباريات/ التقريريات: والهدف منها وصف واقعة معينة من خلال قضية تتميز باحتمالها الصدق والكذب، وباتجاه المطابقة فيها من القول إلى العالم بحيث يكون مطابقا للواقع الموجود في العالم الخارجي.


2- التوجيهيات: أو الطلبيات والغرض منها حمل المخاطب على أداء فعل أو عمل معين.


3- الالتزاميات / الوعديات : الغرض منها حمل المخاطب على أداء فعل أو عمل معين.

4- التعبيريات/ الافصاحيات: وغرضها الإنجازي، هو التعبير عن الموقف النفسي تعبيرا يتوافر فيه شرط الإخلاص، وليس في هذا الاتجاه مطابقة، فالمتكلم لا يحاول أن يجعل الكلمات تطابق العالم الخارجي ولا العالم الخارجي يطابق الكلمات.


5- الاعلانيات أو التصريحيات: الغرض منها إحداث تغيير في العالم الخارجي وأهم ما يميزها عن الأصناف الأخرى، " أنها تحدث تغييرا في الوضع القائم، فضلا عن أنها تقتضي عرفا غير لغوي. واتجاه المطابقة فيها قد يكون من الكلمات إلى العالم، أو من العالم إلى الكلمات ولا يحتاج إلى شرط الإخلاص"(16) أضف إلى ذلك تمييز (سيرل) بين الأفعال الإنجازية المباشرة و الأفعال الإنجازية غير المباشرة.


أما في الدراسات العربية القديمة فقد میزت بين الخبر والإنشاء، فضلا عن تمييز النحويين بين الخبر والإنشاء، فهم كانوا على وعي بالجانب التداولي للغة، فجل دراساتهم التداولية سلطت الضوء على أقطاب العملية التواصلية، و اهتمامهم كان منصبا على المقامات التخاطبية، و مقاصد المتخاطبين، وهذا شبيه لما نلمسه في الدرس التداولي الحديث، ذاك أن علماء النحو الأقدمين قد أدركوا أن اللغة ليست "منظومة من القواعد المجردة فحسب، و إنما فهموا منها أيضا أنها لفظ معين يؤديه متكلم في مقام معين لأداء غرض تواصلي و إبلاغي معين".(17)


وهذا إن دل على شيء إنما يدل على بعد النظر ودقة التصوير عندهم، المبادئ التي تعتبر عند المعاصرين أسسا تداولية، مثل: مراعاة قصد المتكلم، أو غرضه من الخطاب، و مراعاة حال السامع ضمن ما أطلقوا عليه مصطلح الإفادة وهي الفائدة التي يجنيها المخاطب من الخطاب، و السياقات التي ينتج ضمنها الكلام ومدى نجاح التواصل اللغوي، وقد تعرض كل من "سيبويه" (ت 180هـ) و"الفارابي" (ت 338هـ)، و"عبد القاهر الجرجاني" (ت 471 هـ)، "السكاكي" (ت 626 هـ)، "الآمدي" (ت 631 هـ).(18) إلى أقطاب العملية التواصلية بوعي علمي دقيق.

ومما سبق حري بنا التطرق إلى جهود علمائنا برصد بعض النماذج من دراساتهم حول الأفعال الكلامية، والتي تتجلى من خلال دراستهم للأساليب المختلفة مثل: (فعل التأكيد، و فعل الإغراء، و فعل التحذير، وفعل النداء، وفعل الاستغاثة والندبة ). وغيرها من الأفعال.


1- التأكيد: هو معنى يستفاد من صيغ وأساليب لغوية معينة، و من الغرض التواصلي، يستخدمه المتكلم لتثبيت شيء في نفس المخاطب، وإزالة ما علق بها من شكوك، وإماطة ما خالجها من شبهات.


كما عني بدراسة التوكيد بعض المتأخرين من النحاة كالرضي الاسترباذي (ت 686هـ)، حيث حدد الغرض منه في قوله: "الغرض الذي وضع له التأكيد أحد ثلاثة أشياء، أحدها: أن يدفع المتكلم ضرر غفلة السامع عنه. وثانيها: أن يدفع ظنه بالمتكلم الغلط... و الغرض الثالث: أن يدفع المتكلم عن نفسه ظن السامع به تجوزا".(19) 


ولما كان الغرض من التأكيد هو تقرير الأمر و جعله ثابتا و متحققا، يمكن إفادته باستعمال ألفاظ و صيغ معروفة (التوكيد اللفظي، والتوكيد المعنوي، والقسم... وغيرها)، فهذا يؤكد ارتباطه بطرفي الخطاب (المتكلم والمستمع)، و عليه فإن مراعاة حال السامع و كونه شاكا أو متيقنا، هي التي تدفع المتكلم إلى تأكيد كلامه، ويعزز العلاقة الوثيقة بين التراكيب اللغوية و مستعمليها، فتأكيد المتكلم أمرا ما، و تقريره إنما يرجع إلى ما يصبو إليه من مقاصد و أغراض يريد إيصالها إلى السامع.


و خلاصة القول: إن التأكيد معنی أسلوبي وغرض تداولي، تراعي فيه حال السامع التي أشار إلها الرضي في نصه السابق وهو- أي التأكيد - بلغة (سيرل) والتداوليين المعاصرين فعل كلامي يمكن إدراجه ضمن صنف التقريريات.(20)


2- الإغراء والتحذير: «التحذير عرفوه بأنه: تنبيه المخاطب على أمر مكروه ليتجنبه. الإغراء: تنبيه المخاطب على أمر محمود ليلزمه أو ليفعله فيقوم على أساس التنبيه والدعوة إلى الفعل. وهما أي الإغراء والتحذير من الأفعال الكلامية باعتبارهما يهدفان إلى التأثير في المخاطب وحمله على أداء فعل ما. وبمصطلحات (سيرل) يكون الإغراء و التحذير كلاهما منتميان إلى صنف الأمريات»(21) 


3- فعل الاستغاثة والندبة: وهما أسلوبان متفرعان عن النداء في تصور النحاة و لهذا قال سیبویه:«اعلم أن المندوب مدعو لكنه متفجع عليه... فإن شئت ألحقت في آخر الاسم الألف لأن الندبة كأنهم يترنمون فيها، وإن شئت لم تلحق كما لم تلحق في النداء. فالمندوب شبيه بالمنادی، و يختلف عنه في أنه متفجع عليه، إذ فيه معنی زائد على النداء، وهو انه مندوب أو مستغاث به، هذا المعنى الزائد الذي يميز أسلوب الاستغاثة يجعله بمصطلحات (سيرل) من البوحيات.(22)


4- الأفعال الكلامية في حروف المعاني: تشتمل اللغة العربية «على أدوات دالة على معان، أي على قوى إنجازيه مختلفة بتعبير المعاصرين و التي سماها النحاة حروف المعاني، وهي التي تثري العربية بأساليب كثيرة متنوعة صالحة لمقامات تواصلية متباينة حسب إرادة المتكلم و قصده، ضمن إطار التقریريات بالمفهوم التداولي الحديث، أما الأسلوب الإنشائي الطلبي منه و غير الطلبي فيندرج ضمن ما يعرف في التداوليات الحديثة بالتوجيهيات، التعبيريات، الإلزاميات، الإعلانيات.


كدلالة (رُبَّ) على التقليل (كم) الخبرية على التكثير، ودلالة (ليت) على التمني، و(لعل) على الترجي، ودلالة (نِعْم) على المدح، و(بئس) على الذم، ودلالة الواو والباء على القسم ودلالة (ألا) على العرض، و(هلا) على التخصيص ودلالة (هل) على الاستفهام، ودلالة إن، وأن على التوكيد"(23)


من الملاحظ أن هذه الحروف لها إفادات مختلفة فهي ممثلة بصدق ودقة لنظرية الأفعال الكلامية كما "يتصورها الفكر المعاصر، ولذلك صح في تصورنا أن تعد تلك المعاني والإفادات والمقاصد أفعالا كلامية باعتبارنا نتعاطاها عبر الرؤية التداولية".24) ورسالة (كتمان السر وحفظ اللسان للجاحظ ندرسها باعتماد جداول لتوضيح بعض أفعال الكلام الواردة في الرسالة مع مراعاة تقسيمٍ نُزاوجُ فيه بين التقسيم الحديث (التداوليين) والقديم (النحاة) لأفعال الكلام، و ذلك من حيث أن الأسلوب الخبري حسب النحاة يوافق و يدخل أفعال الكلام في رسالة الجاحظ (كتمان السر وحفظ اللسان):


========================

الفعل التوجيهي في الرسالة:


 {لاحظ الصور المرفقة مع المنشور}


========================


◄ أما ما يمكن أن نختم به الورقة البحثية التي بين أيدينا في النتائج المتوصل إليها:

1- درس النحاة اللغة ضمن السياق كما اهتموا بقصد المتكلم، وحال السامع، و الفائدة التي تعود على السامع، وهذا ما تقوم عليه الدراسات التداولية الحديثة من حيث دراسة اللغة في سياقات استعمالها.

2- درست نظرية أفعال الكلام من طرف النحاة العرب في إطار ما عرف بـ: دراسة أسلوبي الخبر والإنشاء، وهذا يوافق التمييز الذي عقده ( أوستين) بين الأقوال الوصفية و الأقوال الإنشائية.

3-  تفطن العلماء العرب إلى السياقات التي ينتج ضمنها الكلام و مدي نجاح التواصل اللغوي، وتحقق الفائدة عند المخاطب ( السامع).


==========

♦ الهوامش:

==========


1- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، تح: عبد السلام هارون، دار الجيل، ط2، ج2، 1991، ص314. 

2- ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، المجلد 11، ط 1994، 3، ، ص 252، 253. 

3- خليفة بوجادي، المرجع نفسه، ص 144،148.

4- أحمد فهد صلاح شاهين، النظرية التداولية وأثرها في الدراسات النحوية المعاصرة، عالم الكتب الحديثة للنشر و التوزيع، ط 1، 8،9، 2005.

5- أحمد فهد صلاح شاهين، المرجع نفسه، ص10. 

6- فليب بلاتشيه، التداولية من أوستين إلى غوفمان، تر: صابر الحباشة، دار الحوار للنشر والتوزيع، ط 1، 2007 ، ص 18. 

7- فيصل مفتن کاظم، التداولية في النحو العربي، مجلة أبحاث ميسان، المجلد 2 ، العدد 4، 2006، ص 37.

8- علي عزت، الاتجاهات الحديثة في علم الأساليب و تحليل الخطاب، دار توبال للطباعة، القاهرة، ط1996، 1، ص49. 

9- علي عزت، المرجع نفسه، ص 49،50.

10- دومينيك مانغونو، المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، تر: محمد يحياتن، الدار العربية للعلوم ناشرون، ط 2008، 1، ص7. 

11- رحيمة بشير، تداولية النص الشعري جمهرة أشعار العرب أنموذجا، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه، جامعة باتنة، 2008، 2009، ص149.

12- محمد محمد يونس علي، مدخل إلى اللسانيات، دار الكتاب الجديدة المتحدة، لبنان، دط، 2004، ص137.

13- مسعود صحراوي، التداولية عند علماء العرب دراسة تداولية لظاهرة الأفعال الكلامية في التراث اللساني العربي، دار الطليعة للطباعة و النشر، بيروت، ط2005، 1، ص49.

14- آن روبول، و جاك موشلار، التداولية اليوم علم جديد في التواصل، تر:سيف الدين دغفوس، و محمد الشيباني، دار الطليعة للنشر والتوزيع، ط 1 ، 2003، ص272.

15- محمد صحراوي، المرجع السابق، ص123.

16- ينظر: فليب بلاتشيه، المرجع السابق، ص 66.

17- محمد صحراوي، المرجع السابق، ص.174.

18- نفسه، ص176.

19- ينظر، نفسه، ص 50. 

20- عيسی تومي، الأبعاد التداولية في الخطاب القرآني، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، جامعة محمد خيضر بسكرة، 2015، 2014، ص25. 

21- محمد صحراوي، المرجع السابق، ص 212، 213.

22- نفسه، ص 214. 

23- ينظر، نفسه، ص 216.

24- نفسه، ص217.


================

◄ د: غيلوس صالح.

◄ أ. زكور نزيهة

================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال